..
حين نقرأ التاريخ و ننظر في أحوال الأمم و الدول و الحضارات على اختلاف تكويناتها و مرجعياتها نجد أن الغاية المطلقة التي يسعى إليها الجنس البشري هو تحقيق حياة مرفهة مرضية لرغباته و احتياجاته ، بالطبع يحدث أن يصيب زعماء هذه الأمم الهدف و يحدث أن يجنح البعض إلى تحقيق هوى نفسي شخصي فيملي ما يشبع رغبته و مرئياته لا ما تحتاجه منه أمته.. و هكذا عاشت الأمم و توالت الحضارات و انبثقت ممالك و اندثرت أخرى و الأسباب متفرعة و عديدة ، و لاشك أن كل مجتمع يتبع موروثاً ثقافياً يملي على عناصره ما يمكن إضافته و ما يجب استبعاده و الموروث الثقافي يتشكل من بوتقة انصهر فيها و تجانس مكونات المعتقد الديني و العرف الاجتماعي المتعود عليه و المسلمات الموروثة و عملية التعرض لهذه البوتقة و مكوناتها و محاولة إدخال عنصر آخر إليها أو إعادة خلطها أو حتى سكب نزر يسير من مكوناتها لمعادلة ما فيها قد يجد من قبل أفراد المجتمع واحدا من ثلاث استجابات ، إما رفضا قاطعا و ثورة عارمة أو تقبلا مطلقا على علات التغيير و بدون أدنى إدراك ، أو تفهماً مدركاً واعياً مفنداً قادراً على التحليل و التفكير و اتخاذ قرار سليم إما برفض او قبول مشروط ؛ و الاستجابة الثالثة هذه هي الأقرب للصواب حيث تتضمن عملية تمحيص و من ثم غربلة و تفنيد وفقاً للصحيح من مكونات ذلك الموروث مما ينتج عنه قراراً صائباً يكسب الأمة مكتسباً حضارياً جديداً مفيداً أو يحميها من تهديد قد يجلب الشقاء لها ، و هكذا يجب أن تقابل التجديدات و المدخلات بتفكير و تفنيد شريطة أن يكون المفكر و المفند هنا غير متعصب لإيديولوجية فكرية أو اجتماعية بعينها و لا يتبع هوى النفس و لا يكون ممن تشددوا في دينهم و لا ممن فرطوا فيه و ضيعوا ثوابته ، و هنا تكمن الصعوبة في عصرنا هذا حيث ماجت الدنيا و هاجت بل و غرقت في أصناف التيارات الفكرية و اللا فكرية و في منحدرات التفريط و قبلها قنوات التحجر فأنى لنا بجمع من عقلاء مفندين لنحظى برؤى سليمة تجعلنا نعرف الغث من السمين ، ناهيك عن أن متسع الفضاء قد ضاق برسائل و تصريحات لستة مليارات فرد هم ساكنوا الكرة الأرضية و كل يدلي بدلوه و يتشدق بما يعتقد أنه الأصوب و غيره على باطل فهزلت الآراء و شاب الرأس من رداءة مستوى الفكر و سوء الطرح و الناس في تخبط لاتعلم للصحة سبيلا ، هذا ما يحدث الآن في جميع دول العالم حيث العالم في تسارع من تجديدات و متغيرات و بلادنا احدى دول هذا العالم ، و هنا لنا وقفة ، دولتنا ترتكز على موروث ثقافي يشغل فيه البعد الديني حيزا كبيرا و تشغل فيه أبعاد العرف و العادة حيزا مهما ايضا ، و لاشك أن التسارع الذي شهدته هذه البلاد في جميع المجالات خلال الأربعين عاما الأخيرة تسارعاً جباراً رائعاً في مجالات عدة و مخيفاً ايضاً كونه قد اختزل تغيرات قد تحدث في قرون إلى سنوات معدودة و لكن هذا حال العالم كله و ليس حالنا فقط ، و بالطبع فإن الخصوصية التي تتصف بها مجتمعاتنا هي خصوصية هذه الأرض التي تحوي اقدس بقعتين و مايتبع ذلك من تقديس لهذا الانتماء أضف إلى ذلك صلابة الذهن العربي و عدم تقبله للتغيير بسهولة لهذا فعملية إدخال الجديد عملية صعبة و تحتاج الى تفصيل و إقناع .
..
قبل بضعة أيام صدر القرار بالسماح لقيادة المرأة للسيارة و هاجت الدنيا بردود الأفعال على اختلاف مطلقيها و المنطق يقول بأن ننظر لهذا الأمر من ثلاث نقاط: أولها : كونه قرار ولي الأمر و هو ما يجب أن يقابل دينيا بالسمع و الطاعة ؛ ثانيها: ان إنفاذ هذا الأمر لابد قد سبقه استفتاء اهل الدين و الفقه بمشروعيته و تحليله ، ثالثها: قبل تقبله او تركه علينا ان نضع جدولا تقابل فيه السلبيات المترتبة مقابل الإيجابيات المتوقعة و نخلص إلى نتيجة و حينها ترتاح العقول و الافئدة إلى ما خلصت إليه ، و يمكن تلخيص ايجابياته المعروفة في تقليص عدد العمالة ، تقليل المهدور القومي على استقدام و توظيف السائقين ، تقليل المهدر من الدخل الشخصي عليهم ، توفير الفرصة للمرأة المحتاجة لقضاء حاجياتها و خروجها بدون تعطيل و انتظار .
اما السلبيات فهي الخوف من تصاعد حالات الانفلات و التفريط بين أطياف الجنسين ، أخذ هذا التغيير كنوع من التسلية و الخروج إلى إطار الحرية المطلقة و التحرر من سلطة اي رجل عند بعض النساء ، زيادة معدل الازدحام و عدد المركبات ، توقع تزايد الحوادث و التجاوزات خاصة في بداية الأمر لقلة الخبرة ، حدوث بعض الأمور اللامرغوبة مما يرفع نسبة التنافر بين الزوجين و البنات وأهاليهم مما قد يزيد من تفكك الأسرة و احتمالات هدمها ،
كل هذه أمور متوقعة و علاج هذه السلبيات إنما يكون بتضافر الجهود ببث الوعي و تكثيف التوعية بأهمية فهم أن الحرية لاتعني الانفلات بل المسئولية و أن سد الاحتياج هو ما يجعل المرأة تجلس خلف مقود المركبة ، نحتاج إلى رقي في النظرة للحياة و الجنس الآخر بشكل عام و هذا ليس مكتسبا من تحضر الغرب بل هو توجه أصيل في ديننا و من ضمن تكريم شريعتنا للمرأة ، نحتاج إلى وضع محاذير و شروط و إجراءات صارمة و مقننة و قابلة للتطبيق لضمان عدم حدوث هذه السلبيات و هذا ماوعدت به الجهات المعنية ، نحتاج إلى فهم أن هذا الأمر اختياري لا حتمي فكل راعٍ حر في قبوله او تركه ..
..
الموضوع يتطلب الهدوء و ضبط النفس من الجميع فهو أمر بسيط لو فكرنا فيه بعقلانية ، انا شخصياً لست معه و لا ضده لكني اؤيد ولي أمرنا ومايراه من خطوات لتطوير هذه البلاد ، و لم أرَ يوما أن القيادة هي نافذتنا نحو الحرية و السعادة بل إن أعظم سيدات العالم يجلسن في الخلف متنعمات و السائق يقوم بمهامه، لكنها و- لا ننكر ذلك- احتياجاً هاماً لكثيرات و يجب تلبيته ، فقط ليتنا نصحح نظرتنا الجزئية القاصرة لمعنى التحضر و التطوير ، فالمسلمة لاتحتاج إلى محاكاة نساء العالم بل إن إسلامها كفل لها الحرية الجميلة المقننة و لو فكرنا بعمق لوجدنا أن في الإسلام حتى لقيادة المرأة شروط و مراعاة متضمنة في كيفية التعامل معها في السوق وخارج البيت من قبل الآخرين و ما يجب منها من التزام للحجاب و الحياء حتى و ان قادت مركبة ، الثوابت لاتتغير، يجب التزامها مع كل تجديد و في اي شكل مستحدث و لو تم ذلك لوجدنا أن قيادة المرأة أمر عادي و لا ضير فيه ، و النظرة العقيمة للمساواة المشئومة والاسطوانة المشروخة حول التساوي بالرجل، أجدها قمة التخلف فأنا سعيدة بكون جنسي أنثى و لدي من الاستحقاقات نصت عليها شريعتي ماتجعلني في راحة و متعة ، و لافخر اكتسبه بمساواتي به و لامجد أجنيه بأن أقارع كتفه، فأنا مخلوق مختلف رافعة رأسي بأنوثتي فلهم خصائصهم و مايناسبهم و لنا مثلها و لهذا لو تبنينا موضوع قيادة السيارة بعيدا عن هوس المساواة و التحرر المزعومة التي زرعها فينا الغرب لسعدنا بهذا السماح و تعاملنا معه تعامل الواثق المطمئن لا تعامل المهووس بفكرة (أريد أن اتساوى بك) فمتى نرتقي إلى هذا النضوج ارتحنا و أرحنا .
..
و هنا يراودني مبدأ آخر أود طرحه حول مدى تشبث فتياتنا و نساءنا بالحجاب حين ينطلقن في مجالات الإبداع و الظهور الإعلامي ، و هو أمر ذو شجون ، فلماذا تصر أغلبية بناتنا على التفريط في الحجاب و كأن الإبداع و الحجاب خطان متوازيان لايلتقيان ؟! حتى المتحجبة منهن ما التبرير لإظهار تلك الخصلة “الشرعية” من الأمام و الخلف أسفل غطاء الرأس و كأنها إشارة للمدنية والتأنق ! لماذا تظهر سفيرة لنا في الأمم المتحدة ثريا العريض و مؤخرا المتحدثة بإسم الخارجية السعودية في واشنطن فاطمة باعشن بدون حجاب !.. و أيضا نشكو الويلات من السيدات اللاتي يتصدرن المشهد الإعلامي فهنّ اللواتي جعلن العالم ينظر لنا نظرة دونية بأننا متأخرات و مقموعات و هذا غير صحيح فالمرأة السعودية تعيش حياة متوازنة بين التفوق في العلوم و الأعمال و الاهتمام بالأسرة و لديها من الكرامة و الحرية ماتتمناه نساء الأرض و كوننا يوجد بيننا فئات من المجتمع و الشعب تعاني من تسلط و ظلم للمرأة من قبل رجلها أو ولي أمرها فهذا موجود في كل بلاد العالم و ليس حكراً علينا فقط ، فإلى متى نسمح بأن نقدم كشف حساب إجباري للعالم لكي يرضى و يرفع نظرته الدونية عنا ؟!..
..
و إني من على هذا المنبر أعلن لسمو ولي العهد الموقر السمع والطاعة لكن أيضا أناشده وكما عهدناه دوما و هو الأمين ذو العقل الرشيد بأن يظل تخطيط مناهجنا التعليمية و وضعها في أيدي أهل الفكر المعتدل النير الملتزم من اهل هذه البلاد و أن تظل ثوابتنا بعدم الاختلاط في التعليم والأعمال سارياً فقد ثبت على مستوى العالم ان الخلط بين الجنسين سلبياته أكثر و أعظم.. و نحن -كقيادتنا – شعب يسعى للتطور و التنمية مع الحفاظ على الثوابت فلا ليبرالية سخيفة توجه مرئيات قادتنا و لا تزمتاً متشدداً يمنع تطورنا.. و هذا ما عهدناه دوما و أملنا و تفاؤلنا أكبر بولي عهدنا الشاب .. و بهذا نزدهر.. فنحن دولة قوية مستقلة و قيادتنا كذلك قوية و رشيدة و لم و لن نقدم تنازلات لنرضي كائناً من كان .. نسأل الله التوفيق لولاة الأمر و الرفعة لمجتمعنا .
وهج..
و إن جلستِ أخيتي خلف المِقوَد..
ابقي كريمةَ الأوصافِ يا ذات الكمالْ
لن نحيد عن شرعِ إلهٍ يُعبدْ..
هو الحياء رداؤنا رمزُ الجَمال
هيا لنعلو نزدهر أمةَ محمد ..
نسير قُدُماً نرتقي قممَ الجبالْ