المقالات

أزمةُ غيابِ المسرحِ التّربويّ

 

يُعدّ المسرحُ المدرسيّ من أهمّ المرتكزات التربويّة التي يُعوَّل عليها في بناء شخصية الطفل بناء متكاملاً من النواحي العقلية، والوجدانية، والجسدية، واللغوية. وهو فنٌّ دراميٌّ يحوي كثيراً من القيم التربوية والأخلاقية تُقدِّمُها شخوصٌ حقيقية أو متحركة تدهش المشاهد، وتلج إلى وجدانه، فتغرسُ قناعاتٍ، وتُغيِّر سلوكاً. وهنا تكمن أهميته في معالجة كثير من المشكلات النفسية والسلوكية لدى الأطفال، وتحويلها إلى قيم نبيلة، كما أنه يزيدُ حصيلةَ الطفل اللغوية، فيضيف مفرداتٍ جديدةً إلى قاموسه اللغوي.

يظهرُ هذا الفنُّ الإنسانيُّ الأصيل جليّاً في مرحلة الطفولة المبكرة التي تُسمّى مرحلة الخيال الواقعيّ، إذ يقوم الطفل بالتمثيل مصطحباً شخصيات من صنع خياله، فالكرسي فرسه أو مركبته، والعصا سيفه وسلاحه، والممثلون والمخرج ومؤلف النّص هم الطفل نفسه، لذا؛ نستطيع القول إن علاقة الطفل بالمسرح علاقة اندماجية، ومن هنا تأتي خطورته في تشكيل شخصية الطفل، فإذا كان للمسرح كلّ هذه الخصائص فلماذا يُعطّل في مدارسنا؟ خصوصاً أن غالبيّة مسؤولي التعليم هم تربويون في الأصل، وبعضهم كان مُبْتَعَثاً، وأحاط بما لم يُحِطْ به غيره بالدور الكبير للمسرح في إنجاح العملية التعليمية، وفي غرس كثير من الفضائل والقيم الإنسانية التي يَصْعُبُ على المُربُّين غرسها في وعي الطفل.

إنّ لتغييب المسرح التربوي نتائجَ وخيمةً لم تقتصر على الطالب فحسب، بل أضرّت بالمعلم من حيث إنّه مُرَبٍّ ومُعلِّمٌ، فالتربيةُ هي في منزلة الأرض التي تحتضن بذور التعليم، ومتى كانت تربتها غنيةً بالمقومات اللازمة للنمو السليم قطفنا ثمارها كما نرتجي. ولأنّ رسالة المسرح تتقاطع مع رسالة المعلم، فبغياب المسرح التربوي سقطت وسيلة مهمة من الوسائل المؤثرة التي يعتمد عليها في تحقيق رسالته.

ولأنّ وظيفة المسرح التربويّ مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمحتوى الكتاب المدرسي، ومنه يستمد مادته الزاخرة بالقيم النبيلة والمهارات الحياتية التي يعتمد عليها بناء الشخصية السليمة للطفل، لذا فالدور الذي يلعبه المسرح في دعم العملية التعليمية هو استخراج تلك المكونات، وتقديمها للتلاميذ في قالب من الدهشة وأجواء من المرح، فيمتع نفوسهم، ويدفع عنهم الملل، ويذكي ملكة الفضول لديهم، التي هي الباعث الأساسي على المعرفة، ولكن في ظل غياب هذه الوسيلة المدهشة خلت هذه الكتب من متعة التعلم، وقيدت الخيال، فغشتها الكآبة، وأصبحت أوزاراً شقي أبناؤنا بحملها على ظهورهم صباحَ مساء.

وقد امتدت تلك الأضرار لتشمل الوعي العام، إذ سادت لدى معظم الناس صورة سلبية عن المسرح، فهم لا يرونه سوى وسيلة للضحك وإضاعة الوقت، وليس له علاقة بالقيم والفضائل، بل يرى بعضهم أن المنتسبين إلى المسرح أغلبهم فاشلون في الحياة، وليس لهم أيّ قيمة يُمثِّلُونها، كما ترسّخت في أذهانهم صورةٌ مُشوَّهة رسمتها المسارح الفنّية التي لا يُسيِّرُها هدفٌ نبيل، وعزّزها تغييب المسرح التربوي، فتحوّل من مفهومه الأصيل كأداة تربوية وتثقيفية ممتعة إلى وسيلة رخيصة يتنافس محترفوها في فنون اللهو وإضاعة الوقت، بل عَدَّهُ بعضهم وسيلة من وسائل الغزو “الفكري” الخبيث.

 

إنّ المسؤولية المباشرة في تفعيل المسرح التربويّ تقع مناصفة على عاتقي وزارتي التعليم والثقافة لكي نعالج الأضرار –الفكرية خصوصاً-  التي حصدناها من هذا التغييب المُتعمَّد.

 

 

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button