المقالات

العمليات الطبية لتصحيح النظر بين أزمـة الأخلاق وأزمـة العلم

    من المؤلم أن يحدث تطور تقني متسارع في مجالٍ طبي حيوي ؛ دونما يقابله تطور ملائم في الممارسة الطبية في ذات المجال !! وكمحاولة لتخفيف اﻹحساس بذلك اﻷلم ؛ سنتناول سويًا التطور التقني المتسارع لعمليات تصحيح النظر كموضوع يستثيره المقال . 
      وتجنبًا لإشكالية التعميم الخاطئ سأتحدث بشواهد من واقع أصدقاء وأقرباء أعزاء أجروا عمليات تصحيح النظر ، مُلفتًا النظر بأنهم ممن بلغوا الأربعين من العمر ، وتاركًا لأحبتي الأطباء المختصين تحديد علاقة هذا السن بموضوعي اليوم ، أو ربما ثمة عوامل أخرى لها عﻻقة لا يسع إدراكها لغير المتخصص .

..
     ومشكلة موضوعنا هو أن جميع من استشهدت بهم -باستثناء شخص واحد فقط- استمرت معاناتهم بعد نجاح العملية !! .. فبعدما تخلصوا من معاناة استخدام نظاراتهم الطبية لتصحيح (قصر النظر) ، اضطروا لمعاناة أخرى وهي استخدام نظارات طبية لتصحيح (طول النظر) للتمكن من القراءة !! وللتعبير عن واقع هذه الحال بطريقة “القفشات” المكية : ( فهُم أجروا  عمليات استبدال النظارات الطبية بدﻻ من عمليات تصحيح النظر !! . 
       والمؤلم حقًا .. أن هناك حلٌ أغفلته (بعض) الممارسات الطبية إما لأزمة أخلاقية أو لأزمة علم وخبرة ، وحقيقةً .. لم استطع إيجاد حالة وسط لهذه الممارسة بين هاتين الأزمتين عطفًا على ما يأتي .
      أما حل هذه المشكلة فقد حدث لحالة واحدة فقط من شواهدي -في حدود مشاهداتي وليس قطعًا حصريًا- حينما قيض الله لهذه الحالة طبيبة سعودية مباركة بمكة المكرمة ذات خبرة وعلم ومستوىً رفيع من شرف أخلاقيات المهنة .

..
         فحينما جاءتها الحالة لإجراء عملية تصحيح قصر النظر لكلتا العينين ، أخبرتها الطبيبة المخلصة بأنها ستجري لها عملية لعين واحدة فقط !! ومع اصرار الحالة على إجراء العملية لكلتا العينين ؛ شرحت الطبيبة حقيقة وجهة رأيها الطبي في الموضوع قائلة : ( من خلال فحص حالتك اتضح أنه في حال إجراء العملية بنجاح لكلتا عينيك ستحتاجين بعد العملية لاستخدام نظارة طبية للقراءة !! وبما أن مؤشرات فحوصات عينيك تؤكد أنك تعتمدين في الرؤية على العين اليمنى أكثر من اليسرى ؛  لذا .. سأُجري عملية تصحيح قصر النظر للعين  اليمنى فقط ، في حين سأُبقي العين اليسرى على ماهي عليه كي تعتمدي عليها أثناء القراءة فقط ، علمًا بأنك لن تشعري إطلاقًا بعد العملية بأي خلل سواءًا أثناء الرؤية أم أثناء القراءة مع أنك ستعتمدين في الرؤية على عين واحدة وستقرأين بالعين اﻷخرى ) .

       ثم أردفت الطبيبة المخلصة شرحها الدقيق بملاطفة رقيقة للحالة قائلة لها : ( أمّا في حال إصرارك على مكافأتي بزيادة تكاليف إجرائي عمليتين للعينين بدلاً من واحدة ؛ فهذا خيارك أنت وحدك فقط .. والذي لن أوافق عليه إطلاقًا ) واشفعتها بابتسامة تأكيدية .
       وبعد رفع عقال التقدير واﻹجﻻل لهذه التجليات الإنسانية .. والأمانة العلمية .. والأخلاقيات المهنية .. التي توطنت ضمير هذه الطبيبة المخلصة ؛ فسؤالي الحائر ببراءته : -في حال تطابق الحاﻻت- هل ما وقع فيه بقية أصدقائي كان بسبب معاناة أطبائهم من  أزمة أخلاقية  أعلَت من قيم الكسب المادي على حساب قيم حقوق المريض في اختياره لتفضيﻻت المآل الممكن ؟!  أم بسبب معاناتهم من أزمة علمية معرفية جعلتهم يجرون عملياتهم لكلتا العينين دونما إخبار مرضاهم بتلك المآلات التي أخبرت بها الطبيبة المخلصة لتلك الحالة المحظوظة ؟!!

..
        آمل من وزارة الصحة أو من الشؤون الصحية بمكة المكرمة وهما على علم أعمق وأوثق بحيثيات موضوعات كهذه ، آمل منهما إنشاء لجنة أو هيئة لدعم وتعزيز أخلاقيات المهنة أو تفعيلها إن وجدت ؛ لتتولى هذه اللجنة أو الهيئة تزويد الأطباء كافةً بمثل هذه الاحتمالات الممكنة -لكافة العمليات وليس لعمليات تصحيح النظر وحسب- وإلزام الجهات الطبية بإدراجها في نصوص إقرارات الموافقة على إجراء العمليات التي يوقعها المرضى قبل أي عملية ، وليكن إدراجها تحت عنوان جانبي مثلا (خيارات الحالة تجاه الاحتمالات الممكنة) ليكون ملفتًا لقراءة المريض أثناء توقيعه ، وأخيرًا فإني اعتقد جازمًا بأن إجراءًا كهذا سيحقق المكاسب التالية :- تقليص فوارق الخبرة والمعرفة العلمية بين الأطباء.- حفظ حقوق المرضى بمعرفة كافة الخيارات المتاحة لهم تجاه الاحتمالات الممكنة .- إغلاق باب حدوث الأزمة الأخلاقية بالكسب المادي الناقض لقيم شرف المهنة . 
      وبعد إستثارتي لهذا الموضوع الذي ربما تستّرَتْ عني بعض حيثياته بعدم الاختصاص ؛ فإني أتقدم بعميق تعاطفي الخاص ؛لأصدقائي الأعزاء اللذين أجروا هذه العمليات وهم يقرأون مقالي هذا باستخدام نظاراتهم الخاصة بالقراءة.

Related Articles

2 Comments

  1. مقال جميل ..?
    اجريت شخصياً عملية تصحيح نظر منذ 8 سنوات استخدم فيها الطبيب (د.باصفار) هذه الطريقة بتصحيح عين واحدة فقط وتعديل الانحراف في الثانية وكانت النتائج باهرة ولله الحمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button