..
يحتفل العالم الإسلامي في (بداية) كل عام هجري بدخول السنة الهجرية؛ حيث هاجر النبي المصطفى المختار -صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة لبناء دولة الإسلام الفتية الدولة التي أزاحت الظلم والاستبداد وأرست قواعد الإيمان والعدالة والمساواة، الدولة التي شاع نورها فعمّ العالم ونشرت الأمن والسلام والمحبة والرخاء، لذا اعتبر الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن التاريخ الذي يجب أن يعتمده المسلمون هو تاريخ هجرته -صلى الله عليه وسلم-. ونحن المسلمين حينما نستعرض هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- نستشف منها منهجنا في إعمار الأرض وسعادة الدنيا والآخرة، بيد أن هذا لا يتحقق على أرض الواقع مالم نعود إلى ديننا الحنيف عودة حقيقية وليس بظاهر القول أو العمل أو اللباس أو المظهر، عودة نتمثل فيها قيم الإسلام السامية في سلوكنا وأقوالنا وأفعالنا وتفكيرنا …
نعم حتى في تفكيرنا فعندما نفكر بالطريقة الإسلامية الضاربة في أصول وعمق المنهجية الإسلامية المتوغلة في آفاق العالمية، تلك الطريقة التي تعلن الحب لجميع البشر تتفهمهم وتحتويهم، تهتم لأمرهم وتسعى لمصلحتهم مهما اختلفوا عنها في الدين أو العرق أو اللون، عندما نحيا روعة الإسلام بعيدًا عن الذاتية والأنانية بعيدًا عن الفردية في التفكير فلا نرى أو نسمع إلا ما يتوافق مع أهوائنا و كأن لسان حالنا (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر(29)، عندما نسمع ونعي ونتدبر قول الله تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) الغاشية (22)، عندما نطبق المنهج الإسلام في الدعوة والإرشاد حتى مع أعتى الفاسقين مستخلصين الدروس الربانية القويمة من هاتين الآيتين العظيمتين في قوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) طه (44) عندما نحيا بعيدًا عن السطحية والنظرة القاصرة والأخذ بالقشور مغفلين المحتوى والعمق، عندما نتجاوز حدود تفكيرنا وحاجاتنا ومصلحتنا، عندما نحلق في الأفق البعيد حيث الفرص التي يجب أن تقتنص والمخاطر التي يجب ألا نغفل عنها لنتجاوز هذه ونستثمر تلك، عندما ندعم التطور الذي أصبح حاجة ملحة ولم يعد خيارًا أو ترفًا، عندما ندرك أن من لا يتقدم يتقادم ومن لا يتطور يتدهور، عندما يصبح العلم لنا سلاح يحمينا ومنهج يقودنا لنتساءل وندقق ونتفحص ونربط ونحلل ونبتكر ونطور، عندما لا نرضى أن ننجح على ورق الاختبارات ونحصل على الشهادات والوثائق بينما نسقط ونفشل في مدرسة الإيمان والعلم والحياة، عندما نمتلك جذور وأصول المعرفة لنصل إلى فروعها ونجني ثمارها، عندما لا نرضى أن ننجح في جني الأموال ونصبح أثرياء بينما نسقط في واقع الحياة العلمية والعملية والحضارية والإنسانية، ونفقد منظومة الأخلاق والقيم عندما لا نرضى أن نصنف عالم ثالث أو فقراء المعرفة، ونحن أمة إقرأ التي منهجها العلم والتفكر والتدبر وأول آية أُنزلت على رسولها الكريم -صلى الله عليه وسلم- “إقرأ”، عندما نفهم معنى عالمية الإسلام فلا نرى من ينبذ الآخر ويرفضه لعرقه أو للونه أو لدينه أو لفكره، عندما نتحاور لنلتقي ونرتقي، وليس ليثبت كلًا منا أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن الآخر خاويًا لا يملك شيئًا بل إنك قد ترى هذا الذي يدعى المعرفة يسوق الأدلة والبراهين بكل ما أوتي من قوة ليثبت خطأ الآخر المطلق وصواب نفسه المطلق منساقًا إلى أعماق الذاتية منسلخًا من مبادئ الموضوعية في الحوار والعدالة والإنصاف في الاختلاف، متخليًا عن المنهج الإسلامي العلمي في الحوار والاختلاف فكأنه لم يسمع قط قول الله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل (125)، عندما نقدر الفكر والإبداع ونستثمر في الإنسان الذي هو عماد كل الحضارات وأداة جميع الإنجازات، عندما نرعى الضعيف حتى يقوى ويشتد عضده وندعم القوي حتى يرتقي ويعلى ويلمع نجمه، عندما نترك مساحات وساحات التعبير الهادفة الواعية الراقية مفتوحة، تستنشق منها هواءً متجددًا غنيًا بالحياة والتنوع والتناغم والوعي والأخلاق، عندما نحترم العمل الشريف ونقدر الحرفة والصناعة وننظر لها بعين الاعتزاز والفخر ونقدم يد الدعم لأصحاب الحرف والمهن للتحول إلى صناعة تدعم اقتصاد وطننا الحبيب وتنوع مصادر دخله، عندما نعتبر مصلحة الوطن هي المصلحة الحقيقية ومستقبله هو مستقبلنا واقتصاده هو رأس مالنا، وغناه وثرائه هو مصدر أمننا ورفاهيتنا، عندما لا نقبل بأي خلل ولا نصمت عن أي تقصير ولا نقبل بأي مستوى من الأداء في أي مرفق من مرافق الوطن، عندما نكون العيون الساهرة التي لا تتغاضى عن الأخطاء لا ترضى بغير الجودة أداء، عندما نكون القلب السليم النابض بالخير والعطاء والنصيحة، عندما نكون اليد العاملة المجودة لعملها في غياب الرقيب فعين الله ناظرة لا تخفى عليها خافية، عندها وعندها فقط سنعود لقيادة العالم، فعالم اليوم الذي يقوده الظلم والاستغلال والحروب سنرسي فيه قواعد العدالة، ومنظومة القيم وأسس السلام ومعنى الأمان ومنهج الإسلام في إعمار الأرض، هذا دورنا في إحياء سنة الله في الكون المتمثلة في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء (105)
هذا دورنا وجميعنا بدون استثناء عنه مسئولون ….
فهل نحن فاعلون ؟!
1
الهجرة النبويه هي فتح عظيم على العالم أجمع منها انتشر الإسلام بحريه رغم الصعاب التي رافقت قبول هذا الدين .فالإسلام دين سلام ومحبه .منها يحفظ البشريه كرامتها وحقوقها . مقال جدا رائع د. وفاء بارك الله فيك ونفع بك
حقيقي لن يتحقق الامن الا بالعوده الى دينينا الحنيف وتحقيقةقيمه الساميه فى كل حياتنا نحن قوم اعزنا الله بالاسلام اللهم اجعل خلقنا القرآن واجعل جميع بلاد المسلمين آمنه مطمئنه
مقال رائع يا دكتورة و بالتوفيق دائما