..
سألت صديقي الدبلوماسي الأوروبي، عن رأيه في رؤيتنا السعودية 2030. فكان حريصًا على التوضيح أنه من المبكر جدًا إصدار حكم. وأضاف “أن الرؤية مشروعًا تاريخيًّا هائلًا ولا يصح إبداء الرأي العابر، قبل القيام بالدراسة التحليلية الكافية، وانتظار وقتًا كافيًّا لمتابعة خطوات التنفيذ”.
مع تقديري لمبررات التأني، طالبته بانطباعاته الشخصية المبدئية فأجاب بعد تأمل “أعتقد أنه ليس لديكم الكثير من الخيارات فبمعدل الإنفاق الذي سارت عليه البلاد في السنوات الأخيرة والالتزامات المالية في السنوات القادمة، مع هبوط أسعار النفط والسحب الكبير من الاحتياطات المالية، ليس أمامكم إلا خطة إنقاذ وتحول إستراتيجية كهذه، أو أن تجدوا أنفسكم، وخلال سنوات قليلة، بلا أدنى خيار”.
”لديكم واحد من أكبر عشرين اقتصادًا في العالم، وبلادكم رائدة الأمة الإسلامية، وتقود تحالفات عسكرية وأمنية دولية كبرى، ولديها خطط تنمية طموحة وتقدم خدمات رعوية كبيرة لشعبها، إضافة إلى ما تقدمه من دعم لشعوب المنطقة والعالم. هذه التزامات فلكية، وبدون خطة تحول بنفس الحجم وأكثر، وبدون رؤية تقودها إلى المستقبل فلن تستطيع القيام بدورها وتحقيق طموحها. والاقتصاد مثل القطار السريع بحاجة إلى وقود، وخط سير، ووجهات محددة يصلها في أوقات محددة. لذلك لا يمكنك أن تتوقف فجأة أو تخفف سرعتك أو تضيع طريقك أو تتأخر في مواعيد الوصول.
“ورأيي أن هذه الخطة لم تأتِ من فراغ أو مجرد حلم أو خيال. فقد بذلت جهود ضخمة ومضنية لعمل الدراسات وتدعيم الأفكار بواقعية، والإبداع بموضوعية. والسؤال الأول هل هي قابلة للتنفيذ. نعم، أعتقد ذلك. والسؤال الأهم: هل سيتم ذلك؟ أرى التزامًا من القيادة لم يسبق له مثيل، وآمل أن يصل الالتزام إلى القيادة الوسطى وحتى القواعد التي ستوكل إليها في نهاية المطاف مهمة التنفيذ. لذلك، أسمح لي أن أسألك بدوري: هل السعوديون لديهم نفس الحماس الذي نتلمسه من القيادة، وعلى جميع المستويات؟”
أجبته: ”سبعون في المائة من الشعب السعودي أعمارهم تحت الثلاثين، وهؤلاء يجدون أن ولي العهد الشاب يتحدث إليهم باللغة التي يفهمونها، وطال انتظارها. ففي الماضي شعر الشباب والنساء أن أصواتهم لم تسمع بشكل كافٍ. واليوم يرون أن كل هذا تغير، بين عشية وضحاها، وأنهم لم يصلوا إلى أذن وقلب القيادة فقط، ولكنهم إلى مقاعد القيادة أيضًا. والقرارات التي صدرت لتمكينهم وتخليصهم من القيود التي ضيقت مساحة مشاركتهم في المسيرة التنموية فتحت أمامهم أبوابًا كانت أحلامًا في الماضي. كما أشعلت خيالهم وآمالهم المشاريع المستقبلية الكبرى مثل: نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، ووسط جدة، والفيصلية، وتطوير مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وعسير والدرعية والعلا وجزر فرسان، بالإضافة إلى مواصلة تطوير المشاريع السابقة كالمدن الاقتصادية والصناعية في رابغ وجيزان والرياض والمدينة المنورة وحائل و“وعد الشمال“.
وبالنسبة لجيلنا الذي تابع المعجزات الاقتصادية في دول مجاورة، كالإمارات، وتساءل لماذا لا يتحقق مثلها عندنا؟ لك أن تتخيل مدى سعادتنا وفخرنا بأن نتجه أخيرًا لتحقيق أضعاف ما حققه غيرنا في مجالات التصنيع والسياحة والتقنية والتعليم والترفيه والطاقة المتجددة، مع الموارد الطبيعية والبشرية والصناعية الهائلة التي تمتلكها بلادنا.“
ابتسم صديقي الدبلوماسي وهو يقول: ”إذن لا أجد عقبة على الإطلاق، باستثناء المطبات غير المتوقعة على طريق جديد، ومنحنيات التعلم وأخطاء الاجتهاد. ومع حماسكم وإصراركم وقناعتكم بمشروعكم لا يمكن إلا أن تخرجوا من هذه التجربة منتصرين ومتفوقين. آخرون بإمكانيات أقل حققوا ذلك ككوريا وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا وتركيا والإمارات، والسعودية أقدر وفرصها أفضل.“
قلت له: هذا الوضوح الذي لديك عن الرؤية السعودية ربما ساعدك عليه أنك تقيم بيننا وتعرف بلدنا وقيادتنا وشعبنا وتتابع عن قرب تطورات الرؤية. ولكن ماذا عن السياسيين والمستثمرين والإعلاميين والسياح والأكاديميين وغيرهم من المراقبين والمتابعين في الخارج، هل يشاركونك هذا التصور؟
كان جوابه واضحًا ومباشرًا: “أعتقد أن الرؤية غيرت وجهة نظر العالم عن المملكة العربية السعودية.
كانت الصورة القديمة عبارة عن حقل نفطي تعيش قبائل عربية على دخله. ثم جاء الأمير محمد بن سلمان بخطته وشخصيته ومنطقه وغير كل ذلك. واليوم يراكم العالم بألوان مبهرة. وصرنا نقرأ ونسمع تعبيرات مثل: الشباب، الحيوية، الحلم، الحماس، البصيرة، والكاريزما في وصفهم لولي العهد وفريقه الشاب من الرجال والنساء. هذه نقلة كبرى في تصور العالم عن بلادكم، لتصبح أكثر معاصرة وتطورًا وانفتاحًا وتسامحًا وتقدمية. ومع قيام مشروع أو أكثر من قائمة المشاريع الموعودة، ستكتسبون مزيدًا من الثقة والمصداقية..كل ما أنتم بحاجة إليه هو الاستمرار .. والنجاح سيتبع!“
التحدي كبير، والمسؤولية كبيرة، والمغامرة كبرى، ولكن الأمل والحماس أكبر. ونحن كمن قفز من الطائرة، وليس عنده مساحة للتردد والتساؤل عما إذا كان قرار القفز صحيحًا، وليس أمامه غير التأكد من فتح المظلة والنزول في الوقت المطلوب على الموقع المطلوب.
ندعو الله لقيادتنا بالتوفيق ولمشاريعنا بالنجاح ولشعبنا بالوقوف صفًا واحدًا لضمان تحقيقه. ويد الله مع الجماعة.