..
ورد في كتاب موسم بعنوان ( أطلال ) من إصدارات الهيئة العامة للسياحة والآثار العدد العشرون صدر عام 1431هـ تبين أن النقش على الصخور والأخشاب وتزيين البيوت والمساجد يعود إلى فترة متأخرة من عام 175 – 180ميلادي في عهد القيصر ماركوس أورليوس جاء ذلك بعد الدراسات البحثية وأعمال التنقيب في مدائن صالح في المنطقة السكنية ( الحجر ) التي أظهرت أواع كثيرة ممن النقوش وأسلوب البناء ومواده وأبرز ما عثر عليه كما ورد في هذا الإصدار هو النقش اللاتيني الذي يحكي قيام أهل الحجر بترميم الساحة التي تأثرت بعوامل الزمن وهذا من وجهة نظري يثبت أن النقوش على الأحجار والطين والعملات والفخار والخشب وغيرها لم تقتصر على حقبة معينة ولا موقع بعينه وإنما هي مصاحبة لتطورات زمنية ومكانية وسكانية في الجزيرة العربية بالذات ومن خلال البعثة الأثرية لقسم الآثار بجامعة الملك سعود كلية السياحة والآثار قامت بمسح ميداني مطلع عام 1425 هـ في ما يسمى مكانا بـ ( دادان ) العلا حاليا شمال غرب المملكة العربية السعودية ونتيجة لموقعها الاستراتيجي كمركز رئيس على طريق التجارة القديم الذي جعل لها دورا بارزا في التواصل مع الحضارات لاسيما في بلاد الشام ووادي النيل وبلاد الرافدين وجنوب الجزيرة العربية وقد وجد البفريق أنه يحيط بهذا الموقع الكثير من النقوش ومنها اللحيانية والدادانية والثمودية والمعينية والآرامية والنبطية والإسلامية بل وحتى اليونانية والرومانية ونقوش سموها بالملكية والنذرية والتذكارية ونقوش الحج .
ومن هذا نستدل على أن النقوش التي ارتبطت بسكن الإنسان لم تكن حديثة بل تمتد جذورها في أعماق تاريخ البشرية على مستوى الكرة الأرضية بوجه عام وفي الجزيرة العربية على وجه التحديد ومنها المنطقة الجنوبية ولعل هذه النقوش التي وجدت في المنازل القديمة أو في بعض المواقع الأخرى تعطي دلالات واضحة بأن إنسان هذه المنطقة استعان في تحديد هيئة وأشكال هذا النقوش بما تضم بيئته من مظاهر وتباين في طبوغرافية المنطقة وجغرافيتها ونباتاتها ووتضاريسها ذات الأشكال الهندسية الفريدة والتي ساعدت الحرفيين من تشكيل هذه المواد من الأخشاب والأحجار والطين في شكل نقوش زينت منازلهم ومع تطور الأدوات والتصنيع سواء البدائي كالقطران وما يسمونه بمادة القار وجملوا بها هذه النقوش ليظهروا ما يبرز منها لتشكيل هذه النقوش وحتى قبل ما يزيد عن نصف قرن تقريبا حيث ظهرت ما كان يسمى بـ ( البوية بعدة ألوان) وهي عبارة عن علب معدنية صغيرة بها سائل ملون كان لا يخرج عن الألوان الرئيسية الأزرق والأحمر والأصفر وكان اللون الأسود واللون الأبيض مضافان لها إلا أن النجار تعرف على الألوان الأخرى من خلال مزج بعض الألوان مع بعضها ليظهر معه لون آخر ولكن كان اللون الأخضر هو الأكثر دخولا على هذا الألوان كلون رئيس أو مزج بين اللونين الأصفر والأزرق وكان ارتباطه بالأرض والطبيعة والمسطحات الخضراء .
من هذا الاستطراد وهذا التقدمة نستطيع الوصول للحديث عن النقوش في منطقة الباحة بالذات التي تعتبر واسطة العقد بين المنطقة الغربية والمنطقة الجنوبية ولأن بها مباني أثرية وقرى قديمة يمتد عمرها لمئات السنين كما هي قرى ذي عين بتهامة وقرية عشم وعشرات القرى في محافظات السراة كما وأن هناك بعض البيوت التي اشتهرت بالنقوش ومعظمها كانت للذوات في حقب متلاحقة بعضها اندثرت وبعضها يتم ترميمها وإعادتها لتكون معالم للسياحة يتمتنفيذها تحت إشراف الهيئة العليا للسياحة والآثار ومنها قرية ذي عين بتهامة وبيوت بالرقوش ببني سار ولعلنا في هذا الطرح لا ننسى ما قام به المهندس سعيد بن ابراهيم الحسيل رئيس بلدية بالجرشي الأسبق الذي ألف كتابا عنونه بـ ( كنوز غامد وزهران العمرانية ) السمات المميزة والطابع التقليدي لمنطقة الباحة في قرابة 390 صفحة من القطع الكبير ضم بين دفتيه معلومات تربط بين تاريخ العمران في الحضارات القديمة والعمران القديم في الجزيرة العربية وتطرق لتاريخ المباني في القرية في المنطقة وما طرأ عليها من تغييرات وتعديلات مع دخول مواد البناء الحديثة وكيف استغلها الفنيون كالبنائين والنحاتين ليمزجوا بين الماضي والحاضر باستغلال الموارد الجديدة لصالح الطابع العمراني مع بقاء البناء برونقه السابق وتطعيم الحديث ببعض مقومات الطبيعة التي تشتهر بها المنطقة وللحديث بقية في الأسبوع القادم في ما يخص منطقة الباحة التي تنفرد بالنقوش في منازلها بالذات من الداخل وتفاصيل مجالس الرجال وغرف النوم والأبواب والشبابيك التي تقف شاهدة على تفرد وجمال وروعة عمل النجارين حتى في الأدوات الزراعية ومقتنياتها .
تلويحة وداع :
يقول المثل القديم السائد المعروف ( أهل مكة أدرى بشعابها ) فهل أنساهم هذا المثل فكانوا آخر من يعلم ماذا حصل لجبالها ؟ من خلال التدمير بالعشوائيات لعشرات السنين والتطويربنسف بعضها بالآليات الحديثة وتحويلها لمخططات استثمارية كما هو مدخلها وواجهاتها من جهة جدة ؟؟!!