المقالات

اللغة العربية والاكشنة

(إن الذي ملأ اللغات محاسنًا جعل الجمال وسره في الضاد. – أحمد شوقي)

اللغة العربية من أجمل اللغات التي تحتوي على جمل تعبيرية، ومفردات تحمل معاني عميقة.. فاللغة العربية بحرٌ في أحشائه الدرُ كامنٌ .. وفي وقتنا الحالي كثر الكُتاب في مجالها وما أحوجنا إلى كُتابٍ عرب في عدة مجالات..
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح هناك منصات أكثر للكتابة وبالتالي الإبداع العربي باللغة العربية، هذه المنصات يطلق عليها منصات “حرة” أي أنك تكتب وتتحمل مسؤولية ما تكتبه من حيث الفكرة والمحتوى وقواعد ومفردات اللغة.. وبالتالي فإن كثير من هذه المنصات لا تعمل على تدقيق كل ما يرسل لها للنشر وإنما تكتفي بنشره على مسؤولية الكاتب، وكانت النتيجة رفع المنصوب وكسر المفتوح، وظهور الواو بدلًا من تنوين الضم، والياء بدلًا من الكسرة.. قد يقال المهم الفكرة والإبداع الفكري، نعم الإبداع الفكري مهم، ولكن الإبداع بدون الإطار المحكم يفقده جماله.
وكل متذوق للغة العربية تؤذيه الركاكة اللغوية كما يضيع معها المعنى المنشود، علاوة على أنه يعتبر تهديدا للغة العربية والتي هي لغة القرآن لغة الضاد التي ميزها الله سبحانه وتعالي على سائر اللغات بأن أنزل القرآن باللغة العربية ﴿وإنه لتنزيل رب العالمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسانٍ عربي مبين(195)﴾ – الشعراء..
إن التقدم الذي حدث في العالم بسبب الثورة التكنولوجية، أفاد من جانب ولكنه أضر باللغة العربية من جانب آخر، ونخشى أن يستمر الضرر.
فالثورة التكنولوجية أثرت أيضًا على المعلم، فأصبح يقبل ويتقبل من الطالب إجابات مباشرة ومقتضبة على الأسئلة. إجابات تشمل كلمة واحدة فقط متجاهلاً بناء الجملة وتكوينها، مما ساهم في إخراج جيل الاختصارات والإجابات السريعة المبهمة “وأنت مع نفسك”.
أيضًا الإعلام ساهم ويساهم في تدهور وضعف اللغة فترى كثيرًا من البرامج والإعلانات تحمل مفردات دخيلة (عربفرانكو) وكأن الإعلام أخذ على عاتقه مهمة تطوير اللغة العربية من خلال دمجها واللغة الإنجليزية. فنرى عبارات مثل: مأفلم، متنشن، مأكشن، مسوي دراما.. الخ. وكان حري بالإعلام أن يساعد على ترسيخ اللغة العربية وليس مسخها لتصبح ركيكة ضعيفة بدون هوية. كما إن الانفتاح الفضائي ساعد على تداخل اللهجات واندماجها فلم يعد صعبًا علينا فهم لهجة الدول المجاورة والشقيقة وذلك لكثرة سماعنا لها لحد دمجها مع بعضها واستخراج كلمات جديدة تضاف إلى قاموس اللغة العربية، وبالتالي تفوق هذا النمط اللغوي على اللغة العربية الفصحى لسهولتها واستساغتها من المتلقي وقد يكون لكثرة تكرارها على الأذن..
ليس فقط ما نسمع أو نقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي يهدد اللغة العربية، وإنما ما تقوم به بعض دور النشر من إصدار ونشر وتوزيع كتب تكتب بلهجات محلية خفيفة مع أنها كتب متخصصة ولكن تقدم المعلومة بلهجة عامية. ودور النشر هذه تتبنى هذا التوجه وتدعمه وتعمل على أن تأخذ هذه الكتب مكانها في معارض الكتاب ليصل إلى يد أكبر عدد ممكن من القراء.. إذ إنها ترى في هذه الكتب تجديدا في نوعية الكتب المطروحه وهي تجربة قد تلاقي قبولاً عند فئة معينة ولكنها إن راجت فستقضي على اللغة العربية الفصحى.
اشتهر العرب بفصاحتهم واختيارهم الدقيق للعبارات والمفردات المناسبة للموقف فكثير من المواقف ختمت بمقولة أو كلمة وكم كانت مؤثرة.
وعلى مر السنين بُسطت اللغة العربية واختلفت مفرداتها، بدءا من العرب المستعربة ومرورا بفترة الاستعمار لبعض الدول العربية والتي تركت أثرها على المفردات ولحن الكلام. فلو مررنا على المؤلفات الأولى مثل كتب المعلقات أو مقدمة ابن خلدون، لوجدنها مليئة بالعبارات الغريبة على القارئ الحالي.. وما يخيفنا هو عدم تذوق الأجيال الحديثة والقادمة لكتب مثل العبقريات للعقاد، أو قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي وذلك لاختلاف وصعوبة مفرداتها وتعابيرها عليهم. ذلك أن أجيالنا مع كثرة القنوات الفضائية وانتشار اللهجات المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تجبرنا على الاختصار والترميز أثناء الكتابة، أصبح سماع عبارات ذات معاني عميقة وصور جمالية إيحائية مستهجنة بالنسبة لهم وأصبحوا يبحثون عن الكلمات والمعاني السهلة في الطرح والتي تشمل تعابير مباشرة من خلال رمز أو صورة..
التطور والتبسيط هو نمو طبيعي للغة فنحن نعيش في عالم واسع يتجدد من وقت إلى آخر، بل من لحظة إلى أخرى، إلا أنه صعب أن نرضى بتدمير معاني اللغة العربية ومفرداتها لوضع قاموس جديد بعبارات دخيلة تصبح جزءا من حديثنا ونقاشنا اليومي. والحفاظ على اللغة العربية هو دور ومسؤولية تقع على عاتق كل عربي ابتداء من دور النشر مرورا بالإعلام العربي، وملتقى القراء، ومعارض الكتاب، ووسائل التواصل الاجتماعي، هو في الحقيقة دورنا نحن فهو دور يقع على عاتق الكل دون استثناء. فاللغة العربية هي هويتنا الوطنية التي تميزنا عن غيرنا،
لست متخصصة في اللغة العربية ولكني غيورة عليها فهي هويتي وانتمائي وبحرٌ أهوى السباحة فيه..

Related Articles

One Comment

  1. للاسف الشديد أنه واقعنا ، تحقق الصهيونية أهدافها خطوة بخطوة ، في إفساد سلاح يملكه كل مسلم ألا وهو لغة القرآن لأن الذي لا يجيد اللغة العربية فلن يفهم معانيها وهو المطلوب ونحن نساعدهم (تعليم.اعلام.مجالات العمل المختلفة.حياتنا اليومية) لا انسى في مجال العمل الذي اعمل به وأثناء الاجتماعات تكون اللغة غير العربية هي محور الحديث لدرجة أن بعضهم لا يعرف تعبير بعض المسميات إلا باللغة غير العربية.
    الله المستعان
    جزيت خيراً سعادة الأستاذة ماجدة .. مقال يستحق أن نتوقف عنده كثيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button