..
في النصف الثاني من عام 1964 كنت في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة اليمانية الأميرية بالطائف، أسكن مع أمي وأبي في حي قصي جنوبي مدينة الطائف، المدرسة تسمى اليمانية لأنها في حي اليمانية الذي يقع جنوب السور وكل جنوب يقال له يمان، والأميرية تعني الحكومية اتباعا لمصر التي كانت تسمي المدارس الحكومية أميرية وكل حكومي عندهم أميري.
كان عندنا جهاز راديو فيلبس له بطّارية تماثله حجما، ينقل لنا برامج الإذاعة السعودية التي لم تخذل مستمعها يوما، وبرامج أخرى من مصر ومن الأردن التي كان يشدنا إلى اذاعته الممثل أنور البابا (أم كامل) في إعلانات مسحوق الصابون سيرف الجديد، والبرنامج الشعبي الفاتن مضافة أبو محمود وأغاني الفنانة العريقة سلوى.
إذا انصرفتُ من المدرسة وجدت السماط وعليه المُشرّق (رغيف رقيق يصنع على صاج المجرفة) والحلاوى الطحينية وعلى مقربة منّا جهاز الراديو الذي كان واحدا من عائلتنا الصغيرة غير أنه لا يأكل ولا يشرب ولا يكف عن الكلام والغناء، وكنا نأكل المُشرّق والطحينية وننصت الى برنامج أضحك للدنيا تضحك لك الذي تبثه الإذاعة السعودية.
بعد الطعام ننصرف أنا وأبي إلى قراءة السيرة الشعبية الشهيرة سيرة الأميرة ذات الهمة، نتناوب قراءتها أبي وأنا، حصة بعد الغداء وحصة بعد العشاء الذي كان مُشرّقا وطحينية مثل الغداء مالم نستبدلهما بوجبة عشاء مترفة من فول ظافر الغامدي أو فول عبيد الله الغامدي أسياد الفول في الطائف آنذاك.
كنا نصلي ونصوم ونزكي ونحج البيت، وكنت أدرس وأبي يعمل وأمي سيدة بيتنا، ننصت للقرآن الكريم والأحاديث الشريفة ونسمع سلوى ومنيرة والست وعبد الوهاب وفريد وطارق وطلال وغيرهم، نقرأ الصحف والكتب وكل مدوّنة تصل إلينا، وكنا ننام نوما هانئا أكثر عمقا من نوم جون كندي وليندون جونسون ونيكيتا خروتشوف.
الله الله ذكرتنا يا أبا أحمد ، كنت في الطايف وحنا بالديرة مامعنا الا كسرة خبزة وأن عدمت ، فقراشة، كنا نضحك من وديع الصافي في أغنيته عل البساطة ياعيني ..الخ وخذ بنت عمك تأكل زيتوني وتعشيني بطاطة ، يرونها في ذلك العهد بساطة ونراه نحن ترف وأي ترف مخملي ، فالعهد القديم لنا قراص وشربة بوسن ، أنت رائع كالعهد بك