..
الشعر أرقى فنون القول عند العرب، وهو ظاهرة إبداعية أشغلت الكثير من النقاد وألهمت العديد من محبي سماعه ومتابعته، فلا غرابة أن تُقام الاحتفالات وتعم مظاهر الفرح والفخر حين يظهر شاعر في القبيلة فيجعلها تسمو بين بقية القبائل الأخرى.
فهو من سيحمي أعراضهم، ويذب عن أحسابهم ويشيد بذكرهم، ويذكّرهم بأيامهم، وقد نشأ النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيئة كثر فيها الشعراء حين حاول كفار قريش وصفه بأنه شاعر وأن مايتنزّل عليه هو الشعر؛ فكان الرد من الله -عز وجل- في كتابه الكريم: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) (يس:69)
وقد أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- استماعه للشعر قبل وبعد بعثته، وقد شجع الشعراء المسلمين واستنهض قدراتهم في قول الشعر وتضمين القيم والأخلاق الإسلامية في أشعارهم، ونتذكر الدعاء منه -صلى الله عليه وسلم- للشاعر حسان بن ثابت “اهجوهم وروح القدس معك”، وكان عليه السلام يردد “أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب”.
وقد نقل عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، وقد أشار -رضي الله عنه- إلى موسى الأشعري أن يأمر من قبله بتعلم الشعر؛ فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب، وكان الخليفة عمر -رضي الله عنه- يقول: محاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق وتنهي عن مساويها، وكان معاوية الخليفة الأموي يرى أن تعاطى الشعر وحفظه وروايته يفتح العقل، ويفصح المنطق ويطلق اللسان ويدل على المروءة والشجاعة.
وقد قال حبر الأمة عبدالله بن العباس: إذا قرأتم شيئًا من كتاب الله فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب؛ فإن الشعر ديوان العرب.
فالشاعر يخترق صمت الأشياء ويستنطق ماحوله، ويختلق مالايكون بالعلم والفطنة فالشاعر يفطن لما لا يفطن إليه غيره، يبني مجد قاموسه الشعري على مرتكزات ثلاثة شرف المعنى وصحته، فيجمع للملتقي المتعة والفائدة، وهذا ماجعل أفلاطون وهو من أوائل النقاد الذين رفعوا مكانة الشاعر فجعله في منزلة تقترب من منازل الأنبياء حين ذكر أن الشعر ضرب من الإلهام والنبوة.
وقد أكد عالم النفس جرهام والاس أن الإبداع يمر بمراحل ثلاث:
– مرحلة الإعداد.
– مرحلة الاحتضان.
– مرحلة الإشراق أو البصيرة.
فالشاعر يمر بتلك المراحل؛ لينتج نصًا إبداعيًّا يؤثر في النفوس وتهتز له المشاعر.