المقالات

فلسطين: قضية لن تموت

ستظل قضية فلسطين قضية حية في قلب كل مسلم غيور على دينه وأمته، ليس فقط لأن بها المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، أو لأن بها مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام؛ بل أيضاً لأنها بلد مسلم لا يجوز التنازل عن شبر واحد منه.

وقد حاول الأعداء تحجيم قضية فلسطين، فوصفوها بأنها قضية عربية، وشجعوا دعاة القومية العربية وأنصار العروبة ليتبنوا هذه القضية، فيشجبوا وينددوا ويستنكروا، دون أن يحركوا ساكناً أو يحدثوا فعلاً ملموساً على أرض الواقع.

وبالتالي حصروها على نطاق ثلاثمائة وسبعين مليون شخص هو تَعداد العرب، وحيَّدوا أكثر من مليار وخمسمائة مليون مسلم هو تعداد المسلمين في العالم، وشتّان بين التعدادين!

ولم يقفوا عند هذا الحد، بل نشروا شعار “القدس عربية”، لتظل قضيتها قاصرة على النطاق العربي، بل وقامت أصوات نشاز لتنادي بأن ما يحدث في فلسطين من جرائم وانتهاكات هو شأن فلسطيني داخلي لا يهم سوى الفلسطينيين أنفسهم!

ولم يكتفوا بذلك، بل صوّروا النزاع الحاصل بين المسلمين واليهود بأنه نزاع على القدس فقط، باعتبار ما بها من المقدسات الإسلامية، ليجعلوا العالم يغض الطرف عن الاحتلال الصهيوني الغاشم للأراضي الفلسطينية المسلمة، وما صحب ذلك من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، من مذابح، وقتل للأبرياء، وانتهاك للأعراض، وسجن، وأسر، وتعذيب، وتهجير، وتشريد!

ونشروا صورة مسجد قبة الصخرة ليوهموا بأنه المسجد الأقصى؛ حتى اتخذ كثير من المسلمين هذه الصورة شعاراً لهم في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها وهم يظنون أنها للمسجد الأقصى؛ حتى يضعفوا ارتباط المسلمين به، ومن ثم يسهل استيلاؤهم عليه.

وأطلقوا على الجهاد في فلسطين ضد اليهود الصهاينة لفظ “المقاومة”؛ ليفرغوا المصطلح من مضمونه الإسلامي الذي يتداعى له كل مسلم مؤمن بأن الجهاد ذروة سنام الإسلام كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام.

ولكننا نعود لنقول: إن قضية فلسطين قضية محورية ومصيرية لكل مسلم، ليس فقط لما بها من مقدسات، بل لأنها بلد مسلمين؛ وهذا هو الأهم.

ودم المسلم الواحد عند الله تعالى أغلى وأعظم حرمة من كل المقدسات كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيراً) رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/630).

فلن يتنازل المسلمون عن شبر واحد من فلسطين بإذن الله تعالى؛ لأنهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما وصفهم نبيهم الحبيب عليه الصلاة، ولأنهم كما في الحديث: (المؤمِنونَ تكافَأُ دماؤُهمْ، وهُم يدٌ على مَن سِواهمْ، ويسعى بذمَّتهِم أدناهُم) صحيح أبو داود للألباني (4530).

وما إعلان الرئيس الأمريكي ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل إلا حلقة من حلقات مسلسل التآمر الذي يُحاك ضد الإسلام والمسلمين، ليكشف عن الوجه السافر لليهود وحلفائهم من الأمريكان وغيرهم ممن يريدون تضييع فلسطين كما ضاعت الأندلس من قبل.

ولكننا نقول لهم: هيهات، فإن هذه الأمة موعودة بالنصر على أعدائها أعداء الله من اليهود وغيرهم كما في صحيح مسلم (2922): (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ).

وسيأتي النصر عاجلاً أو آجلاً حين ننصر الله تعالى، ونقيم توحيده وشرعه، ونتبع ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم اللذين إذا تمسكنا بهما فلن نضل أبداً كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، وقال جلَّ من قائل: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

وما تسلط علينا أحفاد القردة والخنازير من اليهود الصهاينة رغم جبنهم وبغضهم لبعضهم البعض كما وصفهم الله تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [الحشر: 14]، ما ذلك إلا لأننا تركنا التمسك بديننا الحنيف، وتنكبنا الصراط المستقيم، فأذلنا الله وجعل الأمم تتداعى علينا تداعي الأكلة إلى قصعتها كما جاء في الحديث الشريف.

 ولا سبيل لنا إلى الرفعة والعزة والانتصار على الأعداء إلا بالرجوع إلى ديننا والتمسك به والأخذ بأسباب النصر من إعداد القوة الروحية والعسكرية.

وليبدأ كل منا بنفسه، فسنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) [الرعد: 11].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى