عوضه الدوسي

المضامين والأهداف في خطاب الملك

بالأمس القريب كان لخطاب الملك -يحفظه الله- في مجلس الشورى حضورا مكثفا على المستويين المحلي والدولي، فقد احتوى الخطاب مضامين وأهداف واسعة، وكانت الكلمة ضافية ووافية؛ وذلك من خلال رؤية واضحة لإستراتيجية بعيدة المدى تستهدف الإعداد لمستقبل واعد على كافة الصُعُد لاسيما في ظل الظروف والمتغيرات الراهنة والمستجدات على الساحة؛ حيث يضع البوصلة -يحفظه الله- إلى وجهة معينة كخارطة طريق يسار عليها من خلال الحضور الفعلي لكل بند وفقرة من قبل الوزارات والجهات المعنية؛ لمواجهتها فعليا على الأرض كتحديات قائمة يحب الوقوف عليها بوعي ومعرفة، ومن ثم المعالجة وسرعة الإنجاز بآلياتها المختلفة وفق مقتضيات الحال، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي واتجاهاته المختلفة أو على الصعيد الداخلي ومتوالياته المتعددة، هذه الشمولية في الخطاب انطلقت من نقطة محورية وهي أن دور المملكة مؤثر في المنظمات الإقليمية والدولية، ولأن الصدارة في واقعها عبء ومسئولية الأمر الذي يتطلب معه حكمة وأناة وصبر، وحتى يظل وهج العطاء قائما فإن هذه الفاعلية في الساحة يجب أن تكون مبنية على قيم التسامح، والتعايش بين الشعوب ومن منطلقات أسس الشريعة الغراء، وبالتالي عدم تفويت القدرة الفعلية لسماحة الدين الإسلامي ورسالته العظيمة، وبما أن للمملكة دورا كبيرا وثقل في الساحة فقد استنكرت من خلال الخطاب الملكي الموقف الأمريكي من القدس بعد التطورات الأخيرة التي أعلنها الرئيس ترامب المتعلقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في الوقت الذي يزايد فيه البعض من المرجفين على دور المملكة، ومن هنا أدعو الجموع العربية إلى النظر بعين الإنصاف لجهود المملكة نحو قضايانا المصيرية كصوت يدوي في جنبات الضمائر الحية لعله يخرس نباح المغرضين وناشدي الفوضى، ولو تأملنا القضية الفلسطينية لرأينا دور المملكة مشعًا فارعا في السماء، فممارساتها السياسية في الساحة الدولية واضحة رأي العين؛ فضلا عن الدعم المباشر لقضيتنا الأهم المتعاظمة في وجداننا كل يوم كسعوديين ألا وهي فلسطين المحتلة فقد رضعنا لبانها من فجر التاريخ وإشعاعات النور؛ حيث كانت مسرا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلا نستلهم إلا الحدث الأضخم الإسراء والمعراج، وتلك عقيدة وآيات تتلى أناء الليل وأطراف النهار فهل تنسى؟

انه تساؤل كبير يجب أن تجيب عليه ضمائر الأمة والمنصفين فيها، ففي الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن بعض الإخفاقات للوصول إلى سلام شامل ورد الحقوق إلى أهلها يرد ذلك إلى غير سياقه، فمرده من وجهة نظري إلى جوانب مختلفة ونواح متعددة، وقد يكون من أبرزها الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، إلى جانب عبث بعض الدويلات المدعومة من إيران لتتسلق أو تحاول فقط، من أجل حب الظهور وإثبات الذات، وكذا فوضى مليشيات مشاكسة التي لا تدرك الأبعاد السياسية وغالبا ما تحاول إقحام المنطقة العربية في مغامرات غير محسوبة وتخوض في جانب ليس لها شأن فيه؛ مما يبطئ الحلول ويزيد من حالات الانقسام في رواق المنطقة العربية وتستغل إسرائيل الوضع وتغتنم الفرص في السطو على الأراضي العربية وتهويد القدس، وهذه التدخلات العمياء والواهمة باعدت بين الوصول إلى قواسم مشتركة ليتم من خلالها الضغط على المنظمات الدولية والدول الراعية للسلام للوصول إلى حلٍ شامل وفق ما ارتضاه الفلسطينيون أنفسهم ونصت عليه القرارات الأممية، فقط هم عابثون ويرفعون الشعارات الفضفاضة التي تسهم في الفوضى واستمرار المنطقة في توترات دائمة لغايات ينشدونها.

إن أهم أحد محاور خطاب الملك -يحفظه الله- أن المملكة تقف إلى جوار الشعب الفلسطيني لإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وتحدث عن ذلك صراحة الرئيس عباس في كلمته أمام قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول مؤخرًا، ولأن المملكة تنشد الاستقرار للمنطقة والعالم كان أحد محاور الكلمة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين أن المملكة سوف تمضي قدما للعمل مع حلفائها لمواجهة نزعة التدخل في شئون المنطقة وتأجيج الطائفية وتبعات ذلك من عنف وإرهاب على اعتبار أن تعزيز الطائفية داخل المجتمعات تفضي إلى قضايا أخرى من شأنها أن تولد العنف، وهذا التوجه في الخطاب الملكي لاشك هو بانٍ للحياة ويحث على تعزيز العلاقات الإنسانية واحترام سيادة الدول من خلال محور الدعوة إلى التعايش ونبذ العنف؛ مؤكدا لحضور الآخر أيا كان دون التدخل في الشئون الداخلية للدول وهذا المحور مبن على قرارات أممية وعلى نحو ما يتجه إليه العالم المتحضر في العيش بخصوصية ويتعايش مع الإنسانية بكل احترام، ولأن مصدر العنف هو التشدد في الدين كونه يجانب الوسطية ويجافي الاعتدال؛ لذا كان من مضامين الخطاب أن لا مكان بيننا للتطرف لأن التطرف يضيع مشروع آخر للدين ويفقده حضوره على مبدأ لا إكراه في الدين وإذا انطلقنا من وحي السماء وقول الحق (لكم دينكم ولي دين) فان ذلك يؤسس لحرية مطلقة في فضاء إنساني عام يشترك فيها الجميع على مبدأ (كلكم لآدم) فهذه المفاهيم توفر مناخات للتحول والتعاطف مع الإسلام كرسالة سماوية سامية تعلي من شأن الإنسان وقدره، ولعل الآخر يتوقف بتأمل لتزيد المساحة المفاهيمية في عقولهم وتدرك حقيقة الإسلام ومن جانبنا نحن نتدارك الفهم الخاطئ لتعاليم الإسلام ومنهاجه الصحيح لديهم، وهذا ما يدعو إليه الإسلام في إعمال العقل وتفعيله، وجاءت الآيات حافزة لهذا الشأن وما يقابلها من رفض وإعراض مركزيتها هي ذات الإنسان نفسه حينما يتأمل في النفس أو يعرض، فيعيده إلى موضع الوعي والانتباه في محاولة للإيقاظ من الغفلة ( أم على قلوب أقفالها) في المقابل أكد -يحفظه الله- إلى العالم أجمع أن لا ينظر إلى الإرهاب على أنه ظاهرة إسلامية لأن الثقافة الإسلامية تدعو إلى محاربة الفكر المتطرف وأن الإسلام على مسماه فهو مبن على الشفقة والرحمة والتعايش في الوقت الذي يشدد الإسلام على انتظام المسلمين للانضمام ضمن دائرة الخيرية فيه، وهذه الخيرية لا تطال إلا من خلال إثراء الجوانب الإنسانية وإشاعة قيم الخير والمنفعة والمحبة والسلام وبناء الأرض كمستخلفين فيها، ولأن محاربة الإرهاب كانت ولازالت مهمة نبيلة فقد سعت المملكة إلى وضع أسس عالمية لمحاربة هذا الداء، واستضافت الدول العربية والإسلامية وبحضور الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في اجتماع في الرياض تمخض عن ذلك الاجتماع (مركز اعتدال) لمكافحة التطرف والإرهاب، وهذا المركز يتعاون مع جهات كثيرة ويحارب التطرف بكل أشكاله وألوانه إيمانا من المملكة أن الإرهاب لا دين له، بعد ذلك تطرق الملك في خطابه إلى الشأن الداخلي فيما يتعلق بحفز الاقتصاد وإعادة تدوير المال محليا من خلال دور القطاع الخاص كشريك هام في التنمية ويجب أن يتبنى الدور الريادي في ذلك، وفي هذا السياق طالب -يحفظه الله- في التوسع في برامج تمس حاجات المواطن مع مواكبة للتطور التقني والفني في كل منظومة الحياة وهذه التوجهات كفيلة برفع الاقتصاد والناتج القومي، وخلق وظائف جديدة تتواكب والتطلعات والأهداف المرجوة خصوصا بعد التصدي للفساد باعتباره آفة خطيرة مدمرة للاقتصاد الوطني ويجب أن يجتث من جذوره وبوجهيه المالي والإداري، ومن يتمثل بذلك هي المواطنة الحقيقية والناظمة لشئون المجتمع ومحققة باستدامة لحياة أفضل. إلى لقاء

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button