إن تطبيق مفاهيم ومعايير الجودة بات أمرًا ضروريًا في جميع جوانب الحياة التي أصبحت تتأثر بالواقع السريع في عصرنا اليوم، وظهور الكثير من الإبداعات والاختراعات وذلك بالإضافة إلى احتدام المنافسة وارتفاع سقف رغبات واحتياجات المستفيدين.
وكثيرًا ما نسمع عن الجودة وعن علاقتها بالخدمات أو المنشآت والمشاريع، دعونا نلقي نظرة مختصرة عليها. في الواقع، للجودة معانٍ كثيرة ومنها الإتقان وتختلف مواصفات الجودة باختلاف المجال المستهدف تطبيقها عليه، وسنتناول الموضوع من منظور إدارة المشاريع الذي يعتبر إدارة الجودة من أهم أجزائه. يرتكز أي مشروع على ثلاثة أركان أساسية وهي الوقت والتكلفة والجودة، ولكي نصل إلى نتيجة ناجحة يجب أن نحافظ على التوازن بين هذه الثلاث محاور؛ بمعنى أن ينتهي العمل في المشروع في الوقت المحدد له ضمن الميزانية المقدرة وبالجودة المطلوبة (هذا هو جوهر علم إدارة المشاريع باختصار شديد) سواء كان ذلك على المستوى الشخصي كالأعمال اليومية أو حتى على مستوى المشاريع الإستراتيجية أو الضخمة (Mega Projects). وحدوث خلل في أحد هذه الأركان يؤثر بشكل مباشر على أحد الآخرين أو كلاهما وبالتالي يؤثر على المُخرج النهائي، إما بالتأخير أو زيادة في التكلفة أو انخفاض مستوى الجودة.
لنتحدث عن الجودة من منظور آخر، وهو الجودة الشخصية جودة الأفعال والسلوكيات ويشمل ذلك كل الأمور الدينية والدنيوية، تلك الأمور التي لو تم أدائها بإتقان سيكون أثرها أفضل. لنمعن النظر في حديث (المسيء صلاته) عندما قال عليه الصلاة والسلام للرجل (ارجع فصلِّ فإنك لم تُصل)، لقد أنجز الرجل الصلاة ولكن قام بها بدون خشوع أو طمأنينة مما أدى إلى قُصور في جودة الصلاة فجاء الرد منه عليه الصلاة والسلام (ارجع فصل فإنك لم تُصل) ثلاثًا، وهنا تتضح لنا ما هي الجودة في العمل وما هو الإنجاز الذي يجب ألا يكون على حساب الجودة. ونتساءل بعيدًا هل يتشابه مضمون هذا الحديث الشريف والفائدة المستنتجة منه، وهي أن الخشوع والطمأنينة في جميع حركات وسكنات الصلاة من دلالات إتقان أركانها، مع ما يعرف اليوم في علم الإدارة بمؤشرات الأداء (KPI’s)؟ والجواب على هذا الاستفسار بأنه يسبقه بأكثر من ١٤٠٠ سنة.
عودة إلى موضوعنا، جميعنا يعلم أن نتائج الأعمال ليست بأيدينا وأن التوفيق من الله، لكن يكمن سر جودة وإتقان أي عمل في (النية) في توافق أعمال الجوارح مع أعمال القلوب، ويحدث ذلك عندما نراقب جودة نوايانا وأن تكون هذه النية لله – سبحانه وتعالى – في المقام الأول والأخير. حتى وإن سعينا لتنفيذ أعمالنا على جميع أشكالها بالإتقان وبالجودة المطلوبة إلا أنها قد تكون لا قيمة لها إذا لم تكن خالصة لله – سبحانه وتعالى – ونصبح كمن يحرث في البحر ذلك الحرث الذي قد لا نجد أثره مهما تم صرفه وبذله من مال وجهد ووقت، ناهيك إن كان هناك تقصير من الأساس في إحدى الخطوات أو المراحل. فلقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – على وضع معايير وطنية للجودة وأنشأت العديد من الإدارات في جميع الوزارت والهيئات تعنى بالجودة وبقياس الأداء وتسعى على تحقيقها في جميع أعمالها ومنشآتها ووظائفها حتى نرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة- بإذن الله- وهذا ما نلمسه في كل المشاريع والمبادرات التي صدرت الموافقة عليها مؤخرًا من جميع الوزارات والهيئات.
أخيرًا، لكي نضبط جودة مشاريعنا علينا أن نضبط جودة أفعالنا ولكي نضبط جودة أفعالنا يجب أن نضبط جودة نوايانا فهي أساس كل فكرة أو عمل، عندها سوف نكون قدوة ونرى مؤشرات أدائنا مرتفعة ثم نصبو إلى أهدافنا في الدنيا والآخرة بإذن الله.