حسن شعيب

الكاتب بين التوقيع والوقوع !

 قبل 3 سنوات حينما سئل الناقد د.عبدالله الغذامي عن السبب في عدم توقيعه كتابه الجديد “ما بعد الصحوة” ضمن منصات التوقيع في معرض كتاب الرياض ؛ أجاب بتغريدة على حسابه : “أنا أكره حفلات توقيع الكتب وأستحي أن أقول للناس اشتروا كتابي ، وتعالوا أوقعه لكم ! لكنني لا أعترض على اختيارات غيري” .

وهذا رأي شخصي ذاتي للغذامي مع إقراره بأن المسألة خيار متاح للمؤلف لا غضاضة فيه ، ومن في مقام الغذامي لن يحتاج إلى ذلك الخيار وقد نال من الحضور والانتشار والمكانة ما يغنيه عن الوجود مع قرّائه في منصةٍ لمدة ساعة أو نصفها ! 

إن تجربة توقيع كتابك على منصات التوقيع بكافة أشكالها سواءً المخصصة بمعارض الكتب أم عبر المكتبات ودور النشر الناشرة – هي طريقة تسويقية تحمل بُعدَها الثقافيّ التعارفي بين المؤلف وجمهور القراءة .

        ولكنها مع ذلك محفوفة بالمخاطر التي يقع فيها بعض الكتّاب بين إفراطٍ وتفريط ؛ فتسويق المعرفة غير تسويق البضائع المستهلكة ؛ إذ ينبغي أن يربأ المؤلف بمنتجه الثقافي عن التسليع الرخيص ، وهذا ما سقط فيه البعض بشكل بات ممجوجاً لا تقبله فطرة المثقف العزيزة !

        وقد بات ظاهراً لعيان زوّار معارض الكتب تلك الجماهيرية الخادعة عبر الفزْعات وتكثير السواد باسثمار العلاقات الاجتماعية والإعلامية والقبلية وغيرها في غياب لقيمة المنتج الثقافي الذي يتمّ توقيعه وتصديره للقارئ !

        إن من يتبارون عبر حساباتهم الشخصية لعرض نتاجهم عبر مراسلات ودعوات مباشرة لشراء كتبهم فيما يقترب كثيراً من الاستجداء ؛ هم في الحقيقة يعلنون عن معرفتهم بشكل لا يليق ؛ فالمعرفة الجيدة لا تحتاج كل ذلك التسوّل !

        أعلن عن كتابك عزيزاً ، واعرض نبذاً منه ، ولك الحق بالحديث عن وليدك دون إعطاء تقييم ؛ فبذلك أنت تحترم القارئ وعقله واختياره إن كنْتَ حامل معرفة حقيقي !

        أما تجّار المعرفة ومتسلّقوها لأغراضهم الشخصية ظهوراً ووجاهةً مزيّفة ؛ فأولئك عارٌ عليها وبضاعتهم فيها مزجاة لا تلبث أن يخفت بريقها مع الوقت وإن مارسوا تُقية المثقف اللبق والأديب الخلوق ؛ فالأخلاق لا تخفى ولو بعد حين !

ومهمـا تَكُـنْ عِنْـدَ امـرئٍ مِــنْ خَلِيـقَـةٍ

وَإِنْ خَالَهَـا تَخْفَـى علـى الـنَّـاسِ تُعْـلَـمِ

ختاماً توقيع الكتب الجديدة ظاهرة ثقافية عالمية ينبغي أن تمرّ عبر غربال التصفية ، وتقنينها بضوابط محددة ابتداءً من اصطفاء جديد المعرفة وتحكيمها عبر لجنة محايدة بوقتٍ كافٍ قبل انطلاق معارض الكتب ؛ فليس العبرة بكثرة الكتب الموقعة ؛ فمعرض دولي للكتاب ضخم مثل الشارقة في آخر نسخة له 2017 لم يتجاوز عدد الكتب الموقعة عبر منصاته 27 كتاباً جديداً فقط !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى