سأتطرق هنا إلى الشركات المساهمة العامة التي تمتلك الدولة نسبة 25% فأكثر من رأس مالها؛ حيث تهدف الدولة من خلال مساهمتها في تلك الشركات إلى تنويع مصادر دخلها والنهوض بمستوى الخدمات والمرافق العامة فيما يصب في مصلحة المواطن. إن ما تتميز به تلك الشركات هو أنها تحظى بثقة المساهمين كونها تخضع لمراقبة الجهات الرقابية لدى الدولة علاوة لخضوعها للائحة حوكمة الشركات الصادرة من وزارة التجارة.
ولكن، فإن الحقيقة مغايرة لما ذكر، ذلك أن بعض تلك الشركات تُعاني من العديد من التجاوزات نتيجة لتواجد الشللية في مجالس إداراتها وقياداتها التنفيذية مما يتمخض عنه تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
وتتنوع تلك التجاوزات على سبيل المثال لا الحصر في تلك الشركات من خلال عدة جوانب، وسأتطرق اليوم لما هو منتشر مؤخرًا لدى بعض ممن يتغنون على نغمة التحول من أجل مواكبة رؤية 2030 وما هم في حقيقة الأمر إلا على نقيض رؤية الوطن القائمة على دعم أبناء وبنات الوطن، وعلى الشفافية ومحاسبة المقصرين وتنوع الاستثمارات وغيرها، فما إن تنظر إلى منجزات هؤلاء القيادات إلا وسترى أنهم قد بدأوا في السباق والتنافس فيما بينهم من أجل ترسية العقود التشغيلية والاستشارية والاستثمارية المرصود لها مبالغ هائلة في موازناتها المالية على شركات الأقارب أو الزملاء أو الاصدقاء دون أي مراعاة لمصالح الدولة والمساهمين، فأنظمة ولوائح الحوكمة حتى وقتنا الحالي عاجزة كليًا عن الحد من انتشار الشللية الهادمة والمعارضة لرؤية 2030.
أقولها وبكل صراحة: تعد معظم تلك الشركات المساهمة العامة أرض خصبة للمنتفعين، فلو نظرنا على سبيل المثال للسيرة الذاتية لأعضاء مجالس إدارات أي من تلك الشركات العامة لوجدنا معظمهم يجتمعون ويتكررون في مجالس أكثر من شركة؛ وكأن بلادنا الغالية ليس فيها سوى هؤلاء المنتفعين والمنفعين لبعضهم البعض.
سبق وأن طرحت مقالة بعنوان “تكتلات مجالس الإدارة“، واليوم أكررها من خلال هذه المقالة مطالبًا الجهات ذات العلاقة بسرعة إعادة النظر في تلك الشركات التي تمثل أحد مصادر دخل الدولة من خلال البدء أولًا بالبحث عن جميع نوافذ الاحتيال الناتج عن تحقيق المنفعة الشخصية لبعض أعضاء مجالس إداراتها وقياداتها التنفيذية على مصلحة الدولة والمساهمين.