الآبار النبوية الشريفة هي التى كانت موجودة على زمن النبوة المبارك بالمدينة المنورة، والتى بصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو توضأ منها أو شرب منها أو أشار إلى فضلها أو جلس حولها وهي آبار عدة. وبلد المصطفى صلى الله عليه وسلم زاخرة بعدد كبير منها، فلقد جمع الكثيرون من علماء التاريخ المدني هذه الآبار وأخبارها في فصل من كتبهم المؤلفة بشأن. وذكر الإمام السمهودى وهو خاتمة علماء التاريخ المدني وإمامهم في القرن العاشر من الهجرة الشريفة، الذى سبق من سبقه بعلمه ودقة فهمه، ولم يلحقه أحد بعده في موسوعيته واستيعابه، وهو الإمام المرجع لجميع مؤرخي المدينة المنورة حتى اليوم، فقد ذكر في تاريخه الوفا: أن الشيخ أبو اليمن بن الزين المراغي حدد عدد هذه الآبار في أبيات له منظومة، فقال:
إذا رمت آبار النبى بطيبة فعدتها سبع مقالا بلا وهن
أريس وغرس رومة وبضاعة كذا بصة قل بير حا مع العهن
ولكن لم يجمع أحد منهم هذه الآبار في موسوعة مستقلة واحدة كآبار لها علاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتهرت عند العامة والعلماء كذلك بأنها سبعة، لورود حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الأخير : أفيضوا علي سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج فأعهد إلى الناس. أخرجه الإمام البيهقى في دلائل النبوة والإمام الدارمي في مسنده والإمام الطبراني في الأوسط وغيرهم. ورواه الإمام البخارى في صحيحه ولكن بلفظ : هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس، وأجلس في مخضب لحفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه تلك حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ثم خرج إلى الناس . . وكانت الآبار التى جلبت منها المياه في سبع قرب هي الوارد ذكرها في هذه المنظومة، ولكنها في الواقع تزيد على ذلك بكثير . ولما كانت هذه الآبار لها صلة عظيمة بسيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولبعضها فضل مستقل لا توجد لغيرها. ولي مؤلف مستقل يصنف بهذا الشأن ولأول مرة فيما أعلم، وسوف يطبع بإذن الله تعالى إن وجدت القدرة، ولكن أنشر هنا في هذا المقال ملخصه.
بئر غرس
وهي: الفتح ثم السكون، كما قرره الإمام مجد الدين الفيروز آبادى في المغانم المطابة: بئر غرس: بالفتح ثم السكون، وقيل بالضم، كما قرره الإمام الزين المراغي في تحقيقه. وقال العلامة: محمد بن عبد الله القيسي الدمشقي في كتابه: توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة: رجع ابن المطري وهو الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر أحمد بن خلف بن عيسى الأنصاري عن الضم إلى الفتح، فقال أبو جعفر بن الكوبك المصري عند قول المصنف هذا: صوابه بئر غرس بالفتح، انتهى. وبالفتح أيضا قيده البكري وياقوت الحموى في معجميهما. وكانت هذه البئر المباركة ملكا لسيدنا سعد بن خيثمة رضى الله عنه وكان يشرب منها، وهي معروفة اليوم معلومة موقعا وواقعا، وهي بئر من آبار الجنة.
لقد قدمت ذكرها على جميع آبار النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى مع أن جميع مؤرخي المدينة المنورة يقدمون في مؤلفاتهم بئر أريس عليها أولا، وسبب تقديمى لها على أريس وغيرها، كونها بئر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نسبها إلى نفسه في أكثر من حديث، وكونها بئرا من آبار الجنة أو عينا من عيون الجنة، وحق لها أن تتقدم على غيرها.
فلقد زارها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصدها، وشرب من مائها، وتوضأ منها، وبصق فيها، وأمر بغسله بمائها بعد وفاته. ففى الحديث الشريف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أريت أني على ترعة من ترع الجنة، قوموا بنا، فأتى بئر غرس، فقال: استقوا لي منها دلوا فشرب فإذا هي غليظة، فدعا بفرق من عسل فصبه فيها، فقال: هذه بئري، منها أشرب، ومنها أغسل. أخرجه الإمام الخطيب البغدادى في كتابه المتفق والمفترق. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقى له من بئر غرس مرة لشربه في بيته، ومن بئر السقيا مرة.
وعن أنس رضى الله عنه، أنه قال: آتوني بماء من بئر غرس، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ. أخرجه الإمام ابن حبان في الثقات كما ذكرها الإمام العراقي في المغني عن حمل الأسفار.