لتقوم أي منشأة بدورها بشكل كامل يجب أن تولي عناية كبيرة بالعنصر البشري بالدرجة الأولى وأن تنظر إليهم على أنهم بمثابة الروح للجسد. إن الاهتمام بالعاملين وتوفير بيئة يسود بها الاحترام والتقدير بعيدًا عن النظرة المادية من حوافز وإجازات وغيرها، بلا شك هو حجر الزاوية لتعزيز ولاء الموظفين للمنشأة بشكل لا يقدر بثمن مما ينعكس إيجابا على أدائها وأرباحها، وكما قيل “اهتم بالعاملين وسوف يهتم العمل بنفسه”. ويكون ذلك بداية بدمجهم وإشراكهم في القرارات ولو بشكل غير مباشر بأن يتلمس أصحاب القرار في المنشآت حاجات ومتطلبات الموظفين بتقديم كافة سبل الراحة المعنوية وأولها إبعاد المديرين المتسلطين عن المناصب القيادية، المتسببين في تنفير العميل الداخلي (الموظف) وما له من أثر بالغ على جودة العمل وتكوين بيئة عمل غير مهنية تفتقر إلى القيم والمبادئ. هل نعتقد أن شركات مثل أبل وقوقل ومايكروسوفت وأرامكو وسابك وإيرباص وبوينغ: على سبيل المثال لا الحصر، وصلوا لما هم عليه اليوم بالأسلوب الإداري المتسلط؟ بالطبع لا.
جاءت رؤية المملكة 2030 إيمانًا من حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود -حفظه الله- ببناء وطن طموح يعتمد على ثقافة الأداء وتتنامى فيه الإنتاجية والكفاءة والاهتمام برأس المال البشري وبشكل خاص الكوادر الشابة والنشطة. فمن الضروري أن يعي أصحاب القرار في المنشآت الخاصة والعامة أن جميع العاملين معهم هم بمثابة مشروع يجب إنجاحه بأي ثمن لأن نجاح الفرد يعني نجاح المجتمع الذي يعد أهم مرتكزات التنمية والرؤية. وبكل وضوح من الأفضل إبعاد المديرين (ولم أقل القادة) أصحاب الوهم القديم المتسلط الذي يرى في الموظف المجتهد تهديدا لمنصبه وفي المخلص عدوا له ولمصالحة وفي المبتكر مضيعة للوقت، لأنهم ببساطة شديدة لا يخدمون الرؤية ويؤثرون عليها سلبا بتنفيرهم وإحباطهم وقتل الرغبة والإبداع لديهم وبالتالي خفض إنتاجيتهم. وفي الواقع ليس من المنطقي أن يكون لدينا جهات ومعاهد حكومية تهتم بالإبداع والتميز والابتكار بالإضافة إلى كل ما توليه الدولة -حفظها الله- في الاهتمام بالمواطن، ولا يزال يوجد بيننا مثل هؤلاء المديرين المهووسين بحب السيطرة، فالتوظيف والحوافز والترقية لديهم مبنية على الطاعة وتنفيذ الأوامر حتى وإن كانت تخلو من الجانب الإنساني أو المهني، والتعامل والتواصل الشخصي أو حتى الهاتفي يكون على حسب المزاج وليس على حسب مصلحة العمل ناهيك عن التدقيق في توافه الأمور نظرا لحب التحكم والسيطرة المفرط لديهم، كل ذلك وغيره من السلوكيات المخالفة للأنظمة والقوانين لاتتيح للموظفين الشعور بإنسانيتهم وأهميتهم.
وبلا شك قد يكون بعض الموظفين لديهم القدرة والكفاءة على إدارة وتنفيذ المسؤوليات أفضل وأجدر من المسؤول المتسلط ولكن -ابتغاء السلامة- فيرضى بالأمر الواقع ولا يسعى للتطوير أو تقديم الاقتراحات، مما له كبير الأثر السلبي في دفن المواهب ووأدها بدلًا من تنميتها والاستفادة منها والتي قد تكون بذرة لشجرة عملاقة مثمرة تؤتي أوكلها للوطن في المستقبل القريب -بإذن الله- لذا من الأفضل أن نهتم بعملية اختيار القياديين وتقنينها بأن يخضع المرشحون لاختبارات قياس مدى ملائمتهم للمناصب القيادية ثم لدورات تدريبية قيادية بصفة دورية وصولا إلى تقييم أدائهم القيادي كل سنتين أو ثلاث سنوات. إن الوقت قد حان بأن تتواكب قدرات بعض المسؤولين مع حجم المسؤوليات الجسيمة المناطة بهم لإيجاد أنظمة مؤسسية مستدامة تدعم النمو الاقتصادي، والابتعاد عن الممارسات الإدارية السلبية مثل النقد الهدام والتسلط والتصلب في الرأي خاصة بعد ما تغيرت المتطلبات الوظيفية القيادية مع دخول الرؤية سنتها الثالثة. بالإضافة إلى تغير مفهوم الدول للإدارة المعتمد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ولنا في مشروع (نيوم) خير مثال على ذلك.
يجب أن يكون القيادي في المنشآت مؤمنا بالقدرات المهنية لأبناء الوطن قبل كل شيء وأن يساهم في بناء وتمكين الكوادر السعودية ورفع مستوى الخبرة لديهم، (البناء) الذي عادة ما يحتاج إلى وقت وجهد إلى أن نصل ونصبح في مصافي الدول المتقدمة -بإذن الله-. وهذا ما نشاهده من قائد التنمية خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله ورعاه – عندما وافق في عام ٢٠١٦ على إطلاق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية لما يوليه -حفظه الله- من الاهتمام بالمواطن السعودي على جميع الأصعدة.
يجب ألا نستهين بالموضوع لأنه فعلًا موجود ويجب أن نتعامل معه ونسلط عليه الضوء، ونوقف لدقيقة ونتساءل، هل فكرنا في عواقبه على الرؤية؟. وأختم بما قاله الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-: إن القمة تسع الجميع.
اتفق معك يا مهندس عامر
فكثير من رؤساء الادارات والاقسام يعتبر الإدارة او القسم ملك له وأنها ارث له ورثها عن آبائه واجداده
مقال رائع جدا ووقته مناسب ويحتاج إلى تطبيق ومراجعة من قبل المسؤلين وحتى الادارات المتسلطة الحالية لعل وعسى تراجع وتقييم نفسها
وصحيح حتى اتصالات الموظفين الذين تحت إدارته لا يهتم بها ولا يكلف نفسه بالرد عليه مع معرفته بأن اتصاله لأمر يهم العمل في الإدارة ويكلف السكرتير للتواصل مع المتصل لمعرفة الموضوع وهذا يعتبر تعالي وكبرياء وغطرسه من المسؤول