بعد لقاء وزير الإعلام رؤساءَ تحرير الصحف الورقية في 18 من الشهر الجاري، ومطالبتهم الوزير بدعم مؤسساتهم، أطلق صحفيون ومثقفون تغريدات متباينة في الطرح والمغزى قسمتهم إلى فسطاطين، يمكن أن نطلق على الأول الفسطاط الإلكتروني، وعلى الثاني الفسطاط الورقي، وهذا من باب المجاز.
وراح كُلُّ فسطاط يستعرض مَزِيّاتِهِ وإنجازاته، لكنّ الغلبة تبدو للفسطاط الأول، وليس ذلك من قبيل التحيُّز، لكنّه جاء بعد قراءة للواقع الذي يُنبئُ بأن الصحافة الإلكترونية هي الخيار المرتجى لأنه يواكب التطور، إضافةً إلى حاجة القارئ إلى مثل هذه الخدمة التي تعفيه من الخروج والبحث عن صحيفته المفضلة في مراكز البيع أو عن طريق الاشتراك مقابلَ مبالغ يمكن توفيرها باستخدام تطبيقات إلكترونية تتيح له قراءة مئات الصحف والمواقع الإخبارية مجانًا.
وإذا تأملنا اليوم الخدمات الإلكترونية التي يتسابق مُؤسِّسُوها إلى كسب أكبر عدد ممكن من الزّوّار والمستفيدين، وقارنّا بينها وبين مطالب رؤساء تحرير الصحف الورقية المحترمين فسنُدرِكُ في ثوانٍ أن مطالبهم غير عادلة، وتنقصها النظرة الواقعية إلى ما يخدم القارئ، ولن نتّهِمَهُم بالباطل، فالتمسُّك بالقديم حتى وإن قفز عليه الواقع المتطور بالتقنية وحاول خَلْع ردائه البالي سيظل مُتشبَّثًا ومُولَعًا به، وهذه سجيّةٌ في بعض البشر، لكنْ دائمًا وأبدًا يتجاوزهم الجديد وتهملهم السياسات الطموحة ذات الرؤية الاستراتيجية المنبثقة من الواقع المعيش، والمتطلعة نحو الأخذ بأسباب التقدم.
حينما يُقرِّر وزير الإعلام أن يدرس واقع الصحافة الورقية فهو ليس جاهلًا بهذا الواقع، وقد كان في إمكانه أن يصدر قراراته من دون الرجوع إلى رؤساء مؤسساتها، لكنّها الشورى التي يضطلع بها رجلُ دولةٍ بين يديه حقيبة وزارية يرتكز عليها وعيُ مجتمع بأكمله بكافة تركيباته وأطيافه، وكفاءته في تحمُّل تلك المسؤولية باقتدار، فهو يريد أن يسمع منهم، وكان أحرى بهم أن يُجمِعُوا على تحويل صحفهم الورقية إلى إلكترونية لتواكب حاجة القارئ، ولتمنح شرائح المجتمع كافةً سبيل متابعتها، خصوصًا تلك الشرائح التي لا تملك المال الكافي أو التي لا تصل إليها الصحف الورقية بسبب وعورة المنطقة الجغرافية التي يقطنون فيها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الخيار بل يطالبون بدعمها بعد أن تتحول إلى صحف إلكترونية ليعم الخير، وتصبح الصحافة المحلية تواكب العالمية من حيث الكيف والكم، فتفتح بذلك للجيل الإعلامي الشاب نوافذ لرؤى جديدة على خبرات عالمية واسعة تجعلهم أقدر على قيادة ركب الثقافة والوعي الوطني المنشود. فالمال إن لم يُستخدم في رفع مستوى وعي الإنسان بما يستجدُّ حوله، وإشراكه في صناعة واقعه، فهو سيرتدُّ به إلى عكس الاتجاه.
في اعتقادي أن من يرى وجوب الإبقاء على الصحف الورقية، ويطالب بدعمها هو ذاته يقرأ الأخبار ويتابع كُتّابه المفضلين عبر التطبيقات الإلكترونية، وأن جميع أفراد عائلته بما فيهم زوجته التي من جيله لا يقرأون الصحف الورقية المحلية فضلًا عن العالمية، فماذا سيجني هؤلاء من دعمها؟ بل كيف ستكون آلية الدعم؟ أم أنها مكابرةٌ واستغلالُ نفوذ إن كان لها نفوذ؟
لقد بات الفرد في كثير من المجتمعات التي تستخدم التقنية الحديثة يلجأ إليها فقط كي يستفيد من تطبيقاتها الذكية، ويكتسب ثقافاته وتواصله منها، ويُحقّق منجزات وظيفية وخدمية لم تكن لتتحقق له لولاها، ممّا اضطر الحكومات لإطلاق أنظمة الحكومة الذكية، فهل بعد ذلك نناقش دعم صحف ورقية؟!
تحيّة لكُلِّ مَنْ أدلى برأيه من دون تحيُّز أو دافِعٍ مِن هوى، ويبقى الرأيُ للقُرّاء.