حسن شعيب

قراءة من زجاج !!

        في إحدى جولات التسوّق العائلي ؛ أخذتُ زاويتي الصغيرة مع كتابٍ – كعادتي – وتركتُ للأسرة التسوق بحرية في ذاك “المُول” الصاخب الكبير ، وكان مقعدي مجاوراً لحائِطٍ زجاجيّ خلفه منطقة ألعاب للصغار الذين تتركهم أسرُهم مع حاضِناتٍ هناك فترة التسوق .

        وأنا مُستغرِق في القراءة وإذا بالحائط الزجاجي يُدَقّ بقوة وطفلٌ لم يجاوز الرابعة يصرُخ من خلفه مُشيراً إليّ ساخراً : يا مثقف .. يا مثقف .. يا مثقف !! ابتسمتُ له ابتسامةً صفراء وأكملتُ قراءتي ، وظلّ يدقّ بشكل متكرر ويعيد كلمته لي مدة 5 دقائق حتى ملّ والتهى باللعب وكفاني اللهُ إزعاجه !

        الشاهدُ هنا هو مَنْ زرع في ذهن ذلك الطفل هذه الكلمة “مُثقف” بذاك النسق المثير للسخط والسخرية ؟! من ربطها بالقراءة والكتب ؟ هو لم يترجم المعنى من فراغ ! فهناك موقف أو مشهد أو قدوةٌ وضع له الكلمة في ذلك السياق الهازل بل عزّز من رفضها حتى نُقشتْ في عقله البِكْر وأصبحتْ رؤيةُ كتابٍ أو قارئ مثار انفعالِه ونتيجةَ ردّة الفعل تلك !

        مستحيلٌ أن يكون ذاك الطفل قد رأى والديْه يقرءان كتاباً في صورة إيجابية ! أو قد كان فعلاً – وهو الأقرب – صدر منهما أو أحدهما موقف سلبيّ تجاه إنسانٍ يقرأ أو يُمسك كتاباً ؛ فترسّخ في ذاكرة الصغير البيضاء ذاك السوادُ تجاه صورةِ مَن يقرأ !

        وعلى مستوى الكبار لا يختلف الحالُ كثيراً ؛ فإمساكُكَ بكتابٍ أثناء الانتظار في مستشفى أو مطعم أو أيٍّ من الأمكنة العامة – يلفتُ أنظار من معك سريعاً وكأنكَ من كوكب آخر غزا لحظاتِ فراغِهم التي اعتادوا إزهاقَها بتبادُلِ النظرات القاتلة مع جوّالاتِهم لساعاتٍ أو الثرثرة الآثمة التي لا تُسمنُ من جوع !

        إنّ على الآباء أن ينتبهوا لكلماتِهم مع صغارهم ، ويراقبوا أفعالَهم أنفسَهم قبل أطفالِهم ؛ فما يُنقش من سلوكٍ في الصّغر يصْعُب إزالته حين يكبُرون ! ونتساءلُ بعد ذلك لماذا أولادنا لا يحبون القراءة ويكرهون الكتب ؛ مما ينتج عنه في المقابل غُرْبةُ القارئ وهجر الكتاب !

        ولن يجدَ الكتابُ مكانه الصحيح بين يديْ القارئ إلا حينما نخلقُ صورةً صحيةً للقراءة والتعامل مع الكتب كمفاتيح مهمة للمعرفة وأساسٍ يُبنى في الصّغَر ، واعتيادٍ ينسجهُ الآباءُ والمربُّون في نفوس الأبناءِ عبر الممارسةِ العملية لفعل القراءة وتقديرِ الكتاب وتفعيلِ حقّ القراءةِ في كل مكان وزمان .. فما أثمرتْهُ معارضُ الكتب من مظاهر رائعة في مجتمعنا كباراً وشباباً وصغاراً يحضرونَ ويألَفونَ الكتبَ ويقتنونَها – ينبغي أن يخرج إلى الأماكن العامة ويُصبحَ عادةً وسلوكاً مألوفاً لأمّةِ اقرأ بكل فخرٍ واعتزاز .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فعلاً فأنا أصبحت أتخفى عندما أريد أن أقرأ كتابًا في مكان عام حتى لا أصبح “اليعنني مثقفة”!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى