مايجري في عدن لا يمكن إلا أن يثير القلق، ويستعيد ذكريات مؤلمة. فقوات الحوثي دخلت صنعاء قبل أربع سنوات للقيام بمظاهرات احتجاجية ضد “حكومة فاسدة”، وانتهى الأمر باحتلال مقار الحكومة والجيش، وتشكيل حكومة جديدة ثم الانقلاب على الشرعية.
واليوم يتكرر السيناريو ويتجدد المشهد نفسه، وتقوم قوات الانفصاليين بالتظاهر “المسلح” واقتحام واحتلال أجزاء واسعة من العاصمة المؤقتة، وتستدعي قوات إضافية من الضالع وأبين تركت ثغورها مكشوفة للحوثيين والقاعدة وداعش لتشارك في مواجهة الجيش الوطني وقوات الأمن في عدن.
ويثير التوقيت الكثير من الشبهات، ففي الوقت الذي تتقدم فيه قوات الجيش والتحالف على الجبهات الشمالية وتحقق انتصارات توشك أن تنهي السيطرة الحوثية على مدن هامة كالحديدة وتعز وتحاصر صنعاء وصعدة، يأتي هذا “الإشغال” و”الإلهاء” ليضعف الجبهة الداخلية.
والغريب أن من يطالب الْيَوْمَ بفصل الجنوب هم أنفسهم الذين سلموه في صفقة رعاها صدام حسين لحكومة علي عبدالله صالح عام ١٩٩٠. وبعد هزيمتهم في حرب الانفصال عام ١٩٩٤ لجأوا إلى عمان، وانتهوا في بيروت تحت حماية ورعاية ودعم حزب الله وإيران، وأنشأوا قناة تبث من الضاحية الجنوبية لتدعو إلى استعادة الدولة التي أنهوها تحت قيادة نفس الحزب الاشتراكي الشيوعي الذي دمر البلد وأفقرها، وأدخلها في صراعات داخلية وخارجية انتهت بتسليمها لمشروع الوحدة.
قد أكون مخطئا في الحكم على النوايا، ومع قناعتي بمظلومية الجنوب، إلا أن التوقيت والظروف لا تشجع على القبول ببراءة الحركة الانفصالية، والمظلوميات سبق أن طرحت في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء في إطار المبادرة الخليجية، وشاركت فيه جميع الأطراف بما فيها الحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي وتم الاتفاق على فيدرالية وحكم ذاتي للجنوب وعاصمته عدن، وحكومة وبرلمان وإدارة موارد خاصة به.
ومن حق الجنوبيين بعد وفوق ذلك أن يطالبوا من خلال مؤسسات الدولة الفيدرالية بانفصال تام عبر استفتاء ترعاه الأمم المتحدة، كما تم في السودان. وذلك بعد أن تستقر الدولة الفيدرالية والحكومة الجنوبية وتشكل مؤسساتها الجديدة وتبرز قيادات وكفاءات قادرة على إدارة الدولة الجديدة (وليس كما حدث في السودان عندما انفصل الجنوب قبل استكمال المؤسسات والكوادر وانتهى بهم الامر إلى صراع قبلي وانهيار إداري واقتصادي).
أما القفز إلى السلطة والحكم تحت راية الدولة الاشتراكية غير المأسوف على زوالها، وعلى ظهر الدبابة، من قبل أشخاص وجهات لم تحصل على تفويض شعبي ولا شرعية دولية، فهذا ما لا يمكن أن يقبله المجتمع الدولي أو تجيزه الأمم المتحدة.
فزمن الانقلابات العسكرية ولى بلا رجعة، وأكثر من عانت منه ودفعت ثمنه الشعوب العربية منذ خمسينيات القرن الميلادي الماضي إلى يومنا هذا، ومن بينها شعب الجنوب الذي تخلص من الحماية البريطانية ليسلمه الاشتراكيون لهيمنة الاتحاد السوفيتي. ومن يدعم تكرار التجربة الْيَوْمَ لحسابات ضيقة الأفق ومصالح آنية، سيعض أصابع الندم غدا عندما لا ينفع الندم.
المطلوب من الجنوبيين القبول بدعوة التحالف العربي لهم وللحكومة بالتهدئة، والجلوس على طاولة الحوار وتغليب المصلحة العامة واستكمال مشروع تطهير اليمن من فلول مليشيات إيران الإرهابية. ومن حق الأشخاص والجهات التي تحتج على أداء الحكومة اليمنية أن تطرح مطالبها ومن واجب الحكومة أن تتجاوب وتراجع أدائها وتصلح أخطائها.
أما المطالَب الدستورية فليس هذا وقتها، وعلى أصحابها المشاركة في تحرير البلاد اولا، ثم طرحها عبر القنوات الشرعية وفِي إطار المرجعيات الدولية وأهمها المبادرة الخليجية.
كما أن #السعودية التي قادت تحرير الجنوب وأنقذت #عدن من مصير #صنعاء وقدمت الغالي والنفيس من دعم وتعمير تستحق أن يرد لها الجنوبيون الجميل بتحرير الشمال من ميلشيات #إيران التي تهدد أمنها وأمن الخليج.
ولايليق بنشامى #الجنوب_العربي أن يطعنوا التحالف العربي الذي أنقذهم في الظهر في هذا التوقيت بدلا من أن يمدوا له يد العون تعبيرا عن الامتنان والوفاء. فأمن السعودية والإمارات والسودان والبحر الأحمر والخليج من أمن عدن وحضرموت و المهرة.