هل العمل الإداري عبارة عن قوانين ولوائح تنفذ أم هي أكثر من ذلك؟؟
لطالما ألح علي هذا السؤال. فهو سؤال يبدو في ظاهره بسيط وإجابته واضحة، ولكن في الحقيقة هو أكثر من ذلك، وما يزيد من صعوبته عدد الإداريين المتزايد وهم من ينفذ ويستخدم اللوائح، إذ إن لكلٍ منهم شخصيته وطريقة تفكير ومعتقدات وثقافة..
لو أن الإجابة على هذا السؤال كانت بسيطة لما وجدت مشاكل وشكاوى هنا وهناك. ففعليًا لدينا لوائح منظمة ومنها يتم استخلاص السياسات الداخلية إلا أن ما نحتاج إليه هو تثقيف موظفينا حول الإطار العام لهذه اللوائح والسياسات سواء في الوظيفة العامة أو الخاصة. ومحاولة توجيه وتعديل ثقافتهم بما يتناسب والعمل الذي يؤدونه. فالأطباء لديهم قوانين ممارسة مهنية لا يستطيعون الحياد عنها، ويعاقبون لمخالفتها. كذلك العاملون في المجال القانوني، لديهم ممارسات مهنية مطلوبة منهم.
السؤال لماذا لا يكون هناك قانون ممارسة مهنية خاص بالإداريين؟ فالإداري يعمل على تنفيذ قوانين ومنهم من ينفذ القانون حسب فهمه دون تحري الدقة، ومنهم من يفسره بطريقة تخدم مصلحة شخصية، كما أنهم يتعاملون مع عملاء وينقلون صورة إما جيدة أو سيئة عن مكان العمل/ المنظمة. فطريقة التعامل، وطريقة العمل، وأسلوبه، لها دلالتها وتعكس صورة إما إيجابية أو سلبية عن المنظمة، فهناك الكثير من الشركات والمنظمات التي تعمل بحرفيه عالية إلا أن تعامل موظف واحد مع مراجعين/ عملاء بطريق غير لائقة أفقدتهم الكثير.
ونحن هنا نتحدث عن ثقافه مجتمعية تختلف باختلاف الأشخاص، ولكي نرسخ بعض القيم فلا بد من وضع قانون للأخلاق المهنية يشمل جميع النواحي بحيث يشمل جميع الممارسات المطلوبة من الموظفين الإداريين على مختلف مستوياتهم.
وما أحوجنا إلى ما يعزز القيم الأخلاقية والتي هي أساس الدين الإسلامي فبدون حس أخلاقي لممارساتنا فإنها تفقد معناها، فالصلاة بإخلاص هي الخلاص، والصوم بصبر هو الفوز، والصدقة بصمت هي النجاة. الإخلاص، الصبر، الصمت جميعها صفات أخلاقية.
إن عدم اعتبار مجمل الأخلاق المطلوب ممارستها قانون سيضعف من قوتها، ويجعل مخالفتها من الأمور التي يمكن معالجتها من خلال العقوبات، وليس الهدف أن ننتظر المخالفة لنوقع العقوبة، ولكن الهدف أن نخلق موظفين إداريين يُحكمون الأخلاق في تصرفاتهم من خلال قانون واضح يجمع المحظورات والواجبات وتنظيمات الممارسة الإدارية في قانون واحد يُحدث حسب ما يستجد من أمور وليكن ذلك من خلال مجموعة من الإداريين ذوي الخبرة وكذلك القانونيين للتأكد من الصيغة القانونية له، على أن يغطي جميع الجوانب الوظيفية للموظف، وعلاقته بصاحب العمل وطبيعة العمل، ومكان العمل، وأدوات العمل، وجمهور العمل، والتكنولوجيا في العمل….الخ. القانون بمسماه يجعل لمحتواه قيمة وثقل، ويمكن من خلاله محاسبة الموظف أيًا كان مستواه الوظيفي. على أن يكون أول ما يعطى للموظف الجديد عند انضمامه للعمل هو نسخة من هذا القانون للاطلاع عليه وعلى محتوياته ويناقش فيه خلال فترة التجربة للتأكد من فهمه لجميع بنوده. والأجدر أن يكون منهجا يدرس للطلاب، فالأخلاق المهنية منهج يلزم الكل معرفته والالتزام به باعتبار أن الحياة العامة يلزمها انضباط أخلاقي في التعامل.
ولو رجعنا إلى الفصل الخاص بالواجبات وقواعد التأديب (واجبات أصحاب العمل، واجبات العمال، قواعد التأديب) في نظام العمل السعودي لوجدناه عبارة عن نقاط معينة وبسيطة، لكنها في حقيقة الأمر لا تخلق ذلك الجيل الإداري الذي يتسم بالأخلاق المهنية المطلوبة التي تنمي حس العمل ضمن إطار أخلاقي مهني يحكم تصرفات الموظفين. والأهم أن تواكب رؤية المملكة العربية السعودية 2030 فوضع قانون الأخلاق المهنية خطوة نحو تنمية رأس المال البشري، وبالتالي مواطنة مسئولة.
الهدف من قانون الأخلاق المهنية هو إنشاء ما ينظم عدد من الأمور التي تعتبر أساسية في بيئة العمل، والتي يجب أن لا تترك لكل منظمة لتضعها على حده قد تشتد أو تلين من مكان إلى آخر، وكذلك خلق جيل من العاملين يحترمون العمل والوظيفة ويفهمون قيمها وأحكامها لتصبح جزءا من سلوكياتهم وليس مجرد قانون يتبع. وقد يشتمل القانون بنود تغطي جوانب من الممارسات الوظيفية يمكن أن نلخص بعضها على سبيل المثال وليس الحصر في الآتي:
• علاقة الموظف بالوظيفة.
• علاقة الموظف بمكان العمل.
• علاقة الموظف بالتكنولوجيا داخل العمل.
• علاقة الموظف بالزملاء.
• علاقة الموظف بالعملاء.
• علاقة الموظف بالرؤساء.
• علاقة الموظف بالمرؤوسين.
• علاقة الموظف بوثائق وبيانات وإحصائيات المنظمة.
• علاقة الموظف بالمهن الأخرى.
• صراعات العمل.
• المظهر العام للموظف وأهميته.
• توضيح أهمية احترام الجنس الآخر (المرأة/ الرجل) في مكان العمل كزملاء.
• توضيح أهمية احترام الجنس الآخر (المرأة/ الرجل) في مكان العمل كمراجعين.
• علاقة الموظف بمفاهيم مثل النزاهة، والكفاءة، والجدية، والاحترام، والأمانة، والواسطة.
• علاقة الموظف بالمهن الأخرى من حيث احترام المهن الأخرى، فكل مهنة في المنظمة مهمة، ولها مسئولياتها حتى لو اختلفت مؤهلاتها ودرجتها الوظيفية.
• اهمية التأكيد على التطوير المهني للموظف.
• علاقة الموظف بالتعصبات بشكل عام (ديني، جنسي، قبلي، سياسي)
• لا بد أن ينص في قانون الأخلاق المهنية على مواد خاصة بالاعتداء:
o الاعتداء اللفطي بين الزملاء، وبين الموظفين والمراجعين، بين الموظفين ورؤسائهم.
o الاعتداء الجسمي
o الاعتداء الجنسي
o الاعتداء بوسائل التواصل الاجتماعي.
o الاعتداء من خلال انتهاك خصوصية الآخرين
o الاعتداء بالتشهير بزميل أو مراجع.
وقد حثّ ديننا الإسلامي على حسن الأخلاق من كف الأذى وبذل المعروف وحلاوة اللسان والصبر على الناس، وقد عرّف الرسول صلّى الله عليه وسلّم حسن الأخلاق عندما سئل عنه بأنه: (أن تصل مَن قطعك وأن تعفو عمّن ظلمك وأن تعطي مَن حرمك).
فالأخلاق هي ما يساعد على إيجاد مجتمع إداري متحضر بحرفيه عالية، وبالتالي يرفع الثقة في المواطن، ويزيد من نسبة التوطين. وما نعانيه حاليًا هو أزمة ثقافة مجتمعية فما تراه غير مهني ولا أخلاقي قد يراه غيرك أنه تصرف إنساني أو طبيعي ما لم يجد ما يحكم ذلك بغض النظر عن الثقافة.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
(أحمد شوقي)
1
موضوعك جميل و رائع ?❤️????