لا يمكن لأحد الإنكار أن مهنة التعليم من أشرف المهن في عصرنا الحالي، ومن أسمى الرسائل وأقدمها على مر العصور، والبشرية عرفت التعليم منذ فجر التاريخ، فنجد اليونانيين الأوائل، والرومان قد أطلقوا ألقابًا مثل المعلم والحكيم، على الأشخاص الذين كرسوا حياتهم لنشر المعرفة، وتنوير العقول، ونبذ الجهل، ولا يمكن أن نجد لذلك تفسيرًا غير الرغبة الغريزية في الإنسان التي تدعوه دائمًا إلى البحث عن المعرفة، واتخاذ أسبابه.
إن مستقبلنا وما نسير إليه، يرجع في جزءٍ كبير منه إلى التربية التي تلقيناها في الصغر، والتعليم الذي حصلنا عليه، لذلك فالمعلم المتفاني والناجح هو المربي القادر على تغيير المستقبل للأفضل إذا استطاع توفير تربية جيدة، ومخلصة لتلاميذه، وتمكن بتفانيه في أداء رسالته النبيلة، أن ينقذ ربما حياة المئات من الأشخاص، من آفة الجهل ومستنقع الفقر وبراثن الرذيلة.
مع كل هذه الميزات، والسمات في مهنة التعليم، فلا يجب الاعتقاد المسبق أنها مهمةً سهلة، وسبيلٌ سالك قد يمتهنه الشخص في حياته دون عراقيل وصعوبات، بل العكس من ذلك تمامًا، إن رسالة التعليم هي حمل ثقيل، ومسؤولية كبيرة على عاتق كل من كرس نفسه لتعليم الأجيال، وإنقاذها من الجهل، وليس هناك من سبب في تأخر مجتمعاتنا العربية، والإسلامية وتراجعها عن ركب الحضارة إلا بتقهقر التعليم وتراجعه، وعدم إعطاء المعلم حقه وتشجيعه على تقديم رسالته النبيلة، وخدمة العلم بكل ما أوتي من قوة.
لطالما سمعنا في طفولتنا قول الشاعر: (قم للمعلم وفه التبجيلا) دون أن نعيره أي اهتمام يذكر، لكن دعنا نقف لحظة لتأمل لهذه العبارة، فالتبجيل هو أقصى ما يمكن للفرد أن يقدمه ردًا للجميل، وفضل المعلم عليه، فمن له الفضل في تعليمنا الأحرف والآيات؟ ومن كان السبب في إتقاننا الحساب؟ ومن علمنا حتى تمكنا من التمييز بين الحق والباطل؟ ألا يستحق منا هذا المعلم، الذي اعتبرنا عائلته الثانية، ولم يبخل علينا يومًا بشيء، أن نقف له تبجيلًا واحترامًا ؟
لا يمكن الإنكار أن المعلمين المخلصين، والأساتذة المتميزين، هم في الحقيقة أفضل الأصدقاء لتلاميذهم، فلم يتوانوا عن تقديم المساعدة بدءًا من أبسط القرارات في الحياة، إلى أكبرها التي تحدد مستقبل الفرد، فكم من معلم كان السبب في اختيار تلميذ لتخصص دراسي معين جعل منه عالمًا في المستقبل، وكم من العلماء، والباحثين، والقادة البارزين الذين نعرفهم اليوم يعترفون ويعزُون أن السبب المباشر، والفضل في كل ما وصلوا إليه اليوم يرجع إلى المعلم، والأستاذ الأول الذي زرع فيهم قيم النجاح، وشجعهم عليه، وحفزهم على المضي قُدمًا لتحقيق أهدافهم، ومبتغاهم.
وفي الختام فلا يسعنا الاعتراف بلا حرج، فإن رسالة التعليم هي أسمى وأخلص رسالة عرفتها البشرية، وليس على الأساتذة إلا الاقتداء بتعليمات المعلم الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيجدون في سنته النبراس الذي يضئ ظلمة الطريق، والجواب الشافي والحل النهائي لكل المشاكل التي تواجه التعليم.
1
من أروع المقالات التي قراءتها في هذ الموضوع كان طرح جميل شكرا على هذا ياعبد الرحيم