كيف ترى نهاية حرب اليمن؟
يتساءل كثير من المتابعين، خاصة من السعوديين واليمنيين. الحرب دائمًا تحمل الأخبار السيئة، والحرب مع الجيران أسوأها. أرد على من يسألني بأنها ستنتهي قريبًا. هل يبدو ذلك مبالغة في التفاؤل؟ ربما، ولكنني مقتنع به ولي أسبابي.
صحيح أن اليمن عصية على المحتلين، واسأل المصريين. فعلى مدى عقد الستينيات الميلادية عجز ٧٠ ألف جندي مصري مدججون بالسلاح الحديث (ويشمل القنابل العنقودية والكيماوية) ومعهم عشرات آلاف المنقلبين على حكومة المملكة المتوكلية اليمنية، من الانتصار على مقاتلين قبليين بأسلحة لا تتجاوز بنادق من مخلفات الحرب العالمية الثانية.
التاريخ يعيد نفسه، وإيران تلعب اليوم دور مصر، وتدعم الانقلابيين. فيما تدعم السعودية ومعها دول التحالف العربي الحكومة الشرعية، كما فعلت في الستينيات.
وبعكس مافعلته مصر جمال عبد الناصر، اكتفى التحالف العربي بتدريب وتجهيز الجيش اليمني ودعمه بالغطاء الجوي والمعلومات الاستخباراتية والعمليات الخاصة. ورغم ذلك، يبقى السؤال، لماذا الآن بعد ثلاث سنوات من تقدم بطيء على الجبهات الشمالية، يتسارع الإنجاز في الشهور الأخيرة، ويقترب النصر النهائي؟
أقترح الأسباب التالية:
أولًا، هذه المرة أمريكا ليست في صف الانقلابيين. فبعد سنوات من التوافق السري بين إدارة أوباما الديمقراطية وحكومة الملالي لتطويل أمد الأزمة بهدف الضغط على التحالف العربي للقبول بشروط سلام مجحفة، والقبول بدور إيران الجديد كشرطي المنطقة بالتقاسم مع إسرائيل، اختارت إدارة ترامب الجمهورية العودة بالسياسة الأمريكية إلى مسارها التقليدي بدعم حلفائها التقليديين في المنطقة ومواجهة الداعم الأول للإرهاب فيها. وبذلك تم الإفراج عن الأسلحة المتطورة الذكية التي عطل تنفيذ عقودها أوباما، واستعدنا الدعم اللوجيستي والاستخباري والسياسي الذي توقف منذ مباحثات السلام اليمنية في الكويت.
ثانيًا، فقد المتمردون وحدة الصف، باغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعدد من أركان قيادته، وملاحقة من نجا منهم. فبدون صالح خسر الحوثيون جل قوات وأتباع صالح والمؤتمر الشعبي العام، الذين التحق أكثرهم بالشرعية، كما فقدوا علاقاته الخارجية والداخلية وخبراته الإدارية والتنظيمية. وبإصرارهم على تنفيذ أجندتهم الطائفية وفرضها على الأغلبية، خسروا الشعب اليمني أيضًا. كما أفقدهم التعاطف القبلي همجية التعامل وتجاوز الثوابت والقيم المتوارثة.
ثالثًا، الضغط العسكري على جميع الجبهات، برًا وبحرًا وجوًا، كشف عن الخلافات الداخلية. فالطبقة الهاشمية التي تحكم الحركة الحوثية وتدير مليشياتها جاءت من صعدة بثقافة ريفية متخلفة. وهي تحكم لأن المذهب الشيعي الجعفري الذي ينتمون إليه يصر على عدم جواز الإمامة وولاية الأمر إلا في أحفاد الحسين ابن علي رضي الله عنهما، فيما يكتفي المذهب الزيدي بتفضيل الحكم في البيت الهاشمي، مع جواز حكم غيرهم. في المقابل يتولى المتحوثون من غير الهاشميين، وهم الأكثر تعلمًا ومدنية وخبرة في العمل الحكومي، المناصب السياسية والإدارية.
هذا التقسيم بات محل خلاف. فالقيادة الهاشمية تفرض عناصرها في مواقع حكومية استراتيجية، بغض النظر عن كفائتها. فوزير التعليم، مثلًا، لا يحمل الابتدائية. كما أنها فرضت نفسها على القيادة السياسية والاقتصادية، والمؤسسات البنكية والإعلامية والثقافية. وزاد الطين بلّة التنافس على غنائم الحرب، في ظل تردي الموارد المالية ومحدودية المصالح الاقتصادية.
وكنتيجة لهذا الخلاف والهزائم العسكرية، انضمت إلى الشرعية الكثير من القيادات والعناصر العسكرية والمدنية بكل ما تحمله من معلومات استخبارية وخرائط لمواقع الألغام وغرف العمليات ومخازن الذخيرة ومصانع الصواريخ ومخابئ القيادات.
رابعًا، بعد إطلاق صواريخ بعيدة المدى، إيرانية الصنع، على العاصمة السعودية، كثف التحالف مراقبته للمواقع الحدودية البرية والبحرية مع عُمان وعلى بحر العرب والبحر الأحمر، وتدقيقه على الشحنات التجارية والمساعدات الإنسانية التي تصل من جيبوتي بعد مراقبة ”متعامية“ من منظمات الأمم المتحدة. كما واصل تقدمه على ساحل البحر الأحمر وسيطرته على جزره وموائنه. وساهم ذلك في تخفيض الكميات المهربة من الصواريخ وأجهزة الاتصالات والطائرات بدون طيار، إضافة إلى أجهزة وخبراء التصنيع والتشغيل والتوجيه.
أخيرًا، تبقى الكلمة الأخيرة للشعب اليمني. فمن صدق منهم أن الحوثي ثار من أجله، وضد حكومة فاسدة، سرعان ما اكتشف سوء وفساد حكمهم، وحقيقة أهدافهم العقائدية وأجنداتهم الخفية لحساب قوة خارجية، معادية للعرب.
هذه اليقظة تغير كل شيء. فاليمن كان ومازال مقبرة الغزاة. حان الوقت ليثبت اليمنيون ذلك!