عوضه الدوسي

من لهجات أهل الباحة .. قول (بروحي عنك)

من إحدى لهجات الباحة، ومن الكلام الدارج في المنطقة قول (بروحي عنك)، ففي الغالب الأعم يقال هذا اللفظ من قبل النساء، وبما في هذا الكلام من بيان وفصاحة فهو الآخر يهدف إلى دلالات مختلفة وأبعاد متعددة، إلى جانب أن له علاقة تكاملية نحو عاطفة وفداء وفق أعلى مراحل ومراتب اللطف والوداعة،وومن خلال استعارة هذا المخلوق (الروح) بهيئتها الهلامية غير المحسوسة وحالتها السرمدية الدائمة، فإن لها دلالاتها ومعانيها وكذا أثرها ووقعها في النفس، فالروح من أعظم مخلوقات الله ونسبها لذاته سبحانه وتعالى، ولا يمكن لأحد أن يحيط بعلمٍ كامل عن هذا المخلوق يقول عز من قائل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي). ودون أدنى شك فالروح قد أثارت جدلاً واسعا في كل الديانات والفلسفات وحتى الحضارات المختلفة، واستتباعا لموحيات اللفظ فإن النفس تنشرح وتنتشي إلى مراحل متجاوزة عن واقع السعادة المألوف، ليس لأن المفردة في العربية لها دلالتها فحسب، بل لأن الانتقاء بعناية أسهم بشكل مباشر في معطيات كان لها وقعها وأثرها البائن في النفوس، إلى جانب أن لها علاقة تبادلية بين طرفين، فهي غارقة في حالات الفداء من جانب ومن جانب آخر تشي بحالة من الأنس والسعادة والسرور، وهذا ليس لأنها تحمل في طياتها معاني جليلة كالإدراك والوعي والشعور، ولكنها تتجه إلى عاطفية جياشة وتستبطن كامل شروط الحنان وتفيض بهذا المعنى، وهذا التفرد هو الآخر يحمل خصائص معينة مؤداها فاد بما ليس يفنى (الروح) في المقابل يتضح لنا أن الروح تتخذ بعدا قدسيا باعتبارها مضافة إلى الله مما زادها تشريفا وتكريمًا وقيمة قال تعالى:
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) من هنا تتكشف بجلاء القيمة الحقيقية لانتقاء المفردة ذات المعاني الجليلة والنبيلة لتعم السياق المجتمعي العام، ويرتخي في ظلالها عالم من الحب والمودة، وهذا يؤكد لنا معنى ومفهوم ثقافة حقيقية راكزه في وجود كيانات تلك المجتمعات ومدى ما تتجه الية من وعي وحكمة وتألف ومحبة، وكلمات هي رُسل تسافر في أبعد مدى للنفس كونها متضمنة معاني عميقة في أساس الوجدان والضمائر والأفئدة، حيث يخرج من تضاعيف اللفظ قلق منتظم مع اتجاه واسع في الحب للمرسِل، وتبعث للمتلقي أو المُستقبِل طمأنينة متناهية مؤكدة لأنها تفتديه بالروح كمعنى ملائكي سابح في فضاء العاطفة بأجنحة من نور وتزكي رغبتها في الحب والتفاني للمحبوب (بروحي عنك)، وها هي تخرج منسابة إلى شغاف القلوب مع شدة ولع ووله وصبابة خلاف الجسد، ذلك الجسد الفاني وعلى اعتبار أن الروح تحمل طابعا ثقافيا فلسفيا مختلفا، وفي الآن نفسه لفظ سامي لأن الروح كيان خارق عن الطبيعة فالروح مخلوقة من جنس لا نظير له في الوجود، ولاشك فإن ذلك جانب مشرق من ثقافة أهل الباحة وتلك هي فصاحتهم، وهم ميالون إلى تفاعل لفظي جميل منتقى بعناية يتعدى اللفظ الى غيره نحو مفاهيم تذاهنية منبهة تزداد نظارة وارتواء، ولا نزال بحاجة إلى مزيد من البوح الحقيقي لهذا المعنى وغيره لنرسم ونرسل للعالم من جديد ما يتجاوز اللفظ إلى المعاني السامية والدلالات المتعددة والمفهوم الواسع.

Related Articles

5 Comments

  1. شكرا كاتبنا الكبير والناقد الأدبي الاستاذ عوضه الدوسي على تسليطك الضوء على بعض المصطلحات لأهالي الباحة والتي يعتقد البعض إنها نشاز لكن مع مرور الزمن أثبتت إن تلك اللهجة التي تجسدت في تلك الكلمات إنها لغة عربية فصحى إذا ما قورنت ببعض الكلمات المستخدمة لبعض القبائل في الجزيرة العربية ولا زود عليهم فهم تاج رؤوسنا لكن تبقى الحقيقة كما هى شاهد عيان لمن قرأ التاريخ ومن تابع ابو عبدالملك فهو خير من وضح لمن التبس عليه الأمر.

  2. في الغالب تكون كلمة( بروحي عنك ) لقبيلة بني شهر او باللاسمر على مااضن
    شكرا استاذ عوضه على مواضيعك الهادفة البناءة نفخر بمثلك حقيقة

  3. بروحي عنك قليل ماتقال بين اهل الباحه ويمكن ان يقال (فيني ولافيك) (بعمري) اتمنى ما اكون غلطانه
    شكراً لك استاذي الدوسي على الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button