أينما ذهب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأيما قال أو فعل، أثار اهتمام الإعلام الدولي. وزيارتاه الأخيرتان لمصر وبريطانيا أشعلت وأشغلت الصحافة والناس. ولعل هذا يعود إلى حجم الصفقات والاتفاقيات ونوعيتها، وشخصية الأمير وفكره، وقبل هذا وذاك مكانة المملكة العربية السعودية الريادية والقيادية في العالم، والملفات الهامة التي تديرها في المنطقة، سياسيا واقتصاديا وأمنيا. كما ساهم في هذا الاهتمام التغييرات الداخلية التي شملت تطويرا شاملا للإدارة والاقتصاد والمجتمع والفكر الذي يحكمها. ولعل أكثر ما لفت انتباه المراقبين الخطوات الحازمة والقفزات الكبيرة على طريق تمكين المرأة والشباب، وفتح المجال لأصحاب المبادرات الإبداعية ورواد الأعمال والمواهب الشابة لمساهمة أوسع نطاقا في التنمية والأعمال والإدارة العامة.
أجبت على أسئلة كثير من الصحفيين والمتابعين لتحركات الأمير محمد بن سلمان، وزيارته الأخيرة لبريطانيا، وقلت لمن يتساءل عن النتائج: بأنها زيارة موفقة للغاية وفاقت كل التوقعات، إذ تجاوزت الملفات السياسية، على أهميتها، إلى العسكرية والصناعية والتجارية والمالية، وحتى الثقافية والفنية. والاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت فاقت المائة مليار جنيه استرليني، ثم اختتمت باتفاقية لم يعلن بعد عن قيمتها المالية لشراء ٤٨ طائرة مقاتلة من طراز تايفون. كما برز اهتمام بريطانيا بالمشاركة في تنفيذ أهداف رؤية السعودية ٢٠٣٠ وموقفها الحازم من تدخلات إيران السافرة في المنطقة وتهديدها للسعودية ودول الجوار.
وحول مشروع نيوم وأهميته، شرحت أن موقع المشروع يشي بأهميته الاستراتيجية الإقليمية والدولية. فهو يقع على أحد أهم الممرات البحرية التي تعبرها ١٠٪ من مجموع الشحن التجاري البحري في العالم، و٤٠٪ من شحنات النفط، وعلى جبال ووديان وشواطئ وجزر بكر وغنية بالكنوز البيئية لا مثيل لها في العالم. كما تتلاقى في الموقع حدود السعودية ومصر والأردن، وما يعنيه ذلك من تكامل الموارد البشرية والمادية في هذه الدول. واهتمام العالم بالمشروع بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي كمعبر بين أكبر قارتين في العالم، آسيا وأفريقيا، وما سبق الإشارة اليه، يعود إلى رؤية وأهداف المشروع الذي يركز على العلوم المتقدمة والتقنيات الجديدة، وكونه منطقة حرة مفتوحة يسمح فيها بالسياحة والإقامة والعمل والتجارة والاستثمار والملكية، ويدار بأنظمة وقوانين خاصة بها، يشرف على وضعها المستثمرون أنفسهم. يضاف إلى كل ذلك أن الدول المشاركة سوف تستثمر حكوماتها مئات مليارات الدولارات، من القطاعين العام والخاص، وتوفر بنية تحتية متطورة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وعن جديد الموقف البريطاني من حرب اليمن بعد زيارة ولي العهد وتأثير ذلك على مسار الأزمة اليمنية، أجبت بأن موقف بريطانيا كان ولازال داعما للتحالف العربي لاستعادة الشرعية، وساهمت الزيارة السامية في ترسيخ وتفعيل هذا الموقف. وإذا أضفنا إلى ذلك الموقف الأمريكي الجديد الداعم بقوة للشرعية، والتحولات على الأرض لصالح الجيش اليمني وقوات التحالف، فإن الأمل أن تنتهي الأزمة قريبا بإذن الله سياسيا، وهذا الأفضل والأجدى، أو عسكريا إذا تعنت الانقلابيون وداعميهم في طهران.
وبالنسبة لما تعيشه المملكة من طفرة تغيرات داخلية ومدى انعكاس ذلك على السياسات الخارجية، أوضحت أن رؤية السعودية شاملة، محليا ودوليا، وهي تركز على الثوابت العربية والإسلامية، وتبني على الإنجازات التي تم تحقيقها، وتنشط في إطار التحالفات الإقليمية والدولية التي تقودها أو تشارك فيها، والمنظمات العالمية التي تحظى بعضويتها. ولاشك أن قوة وتماسك الداخل تنعكس على صورة الدولة في الخارج، ومكانتها بين الأمم، وقدرتها على تحقيق أهدافها والدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها وأصدقائها.
أما عن أزمة قطر، وما نسب إلى سمو ولي العهد من أن الأزمة لا تشغل حيّزا من اهتماماته وأن وزير لديه يكفي لمتابعة الملف، فقلت لعل المقصود أن السعودية لم تعد تأبه للشأن القطري، فقد أقفلت أبواب التعامل مع النظام الحالي، وقررت أن تمضي في طريقها بدون أن تأبه لطلبات الوساطة القطرية، فالملفات التي تتعامل معها تتجاوز في أهميتها وتعقيدها المشكلة القطرية الصغيرة بمراحل.
أخيرا أجبت عن مستوى تعامل المجتمع السعودي مع المتغيرات الداخلية الجديدة، فقلت: إن المجتمع تجاوب مع هذه الإصلاحات بحماس كبير، خاصة في أوساط الشباب تحت الثلاثين والذين يمثلون ٧٠٪ من السكان، والنساء الذين منحتهم الأنظمة الجديدة المزيد من التمكين والدعم وفتحت لهم أبوابا أكبر للمساهمة في التنمية، وإدارة شئونهم والمشاركة في الإدارة الحكومية. ووفرت لهم مشروعا لمستقبل مضيء يحقق لهم مطالبهم وأمانيهم وأحلامهم. واستدركت بأن هناك فئات لم تستوعب بعد فلسفة الرؤية وأهدافها، أو لا تتفق مع بعض جوانبها خاصة الاجتماعية، وهذا أمر طبيعي في أي مجتمع. ولكنهم أقلية محدودة ولاتؤثر على الاتجاه الاجتماعي العام. على أن قطار التاريخ أحادي الاتجاه، وأولئك الذين آثروا عدم اللحاق به، سرعان ما سيكتشفون أنه لا ينتظر أحدا. وأن الحياة تمضي بهم أو بدونهم.