ما إن تلتقط الأذنان كلمة (اغتيال) إلا ويتبادر للذهن عمليات التصفية الجسدية لشخصيات لها علاقة بعالم السياسة، وفي حقيقة الأمر، فإن هناك أنواعا أخرى غير الاغتيال الجسدي تعتبر أشد وأقسى وأطول أمدا ومنها الاغتيال المعنوي.
قد يثمر اغتيال القائد (جسديا) في تخليد ذكراه واتساع رقعة مؤيديه متأثرين بطريقة اغتياله، و(الاغتيال الجسدي) للمفكر قد يدفع بعض مخالفيه لإعادة النظر في نظرياته ومقولاته تأثرا باغتياله، وهنا تكون ردة الفعل على غير ما يتمناه منفذو الاغتيال.
أما الاغتيال المعنوي الذي يصيب الفرد حيًا وميتا بتشويه صورته وتحقير فكره وهدم شخصيته وتدمير ثقته بنفسه، فهذا أسوأ بكثير من الاغتيال الجسدي وقد يحطم الفرد خاصة إذا كان في مقتبل العمر، ويخطو نحو المستقبل خطواته الأولى وقد يؤدي أيضا إلى رفضه من قبل مجتمعه أو أسرته أو محيطه بشكل عام. وكثيرا ما يصعب تصحيح آثار هذا الاغتيال.
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو تلك الحملة العنيفة التي شنها كتاب رأي واقتصاد و فن ورياضة، وسار على نهجهم مغردون كثر، على الفتى اليافع عبدالرحمن بن جفين القحطاني (أبو جفين) لطرحه كتابه الأول (توصون شي ولاش)، والتي تندرج تحت تصنيف الاغتيال المعنوي لذلك الفتى الجريء والطموح.
تساءل أحد من تزعم الحملة ساخرا: ماذا لدى (أبا جفين) من خبرات وتجارب حتى يكتب؟
وأطرح بدوري عدة أسئلة على من هاجموه: هل وُلِدتم أدباء وكتاب ومفكرون أم تدرجتم في محاولاتكم حتى وصلتم لما وصلتم إليه؟ ألم (يخربش) أحدكم في دفاتر يومياته؟ أما ساهمتم في الصحافة المدرسية؟ كم عدد محاولاتكم الكتابية التي أثارت ضحك من يكبركم؟ هل سلمت مقالاتكم الأولى من تصحيح للأسلوب أو اللغة؟ هل سرق (أبوجفين) محتوى كتابه ونسبه له؟ هل طرح أمورا خادشة لا تتناسب وسنه؟
معظم (إن لم يكن كل) الأدباء وأهل الفكر السابقين في السعودية والعالم العربي حاولوا الكتابة وهم صغار، بل إن سيرهم الذاتية تؤكد أن بعضهم أصدر مجلات وهو دون العشرين من عمره! وأحسب أن تلك الأجيال لو توفرت لديها ما يتوفر لجيل اليوم من تقنيات نشر وتواصل لما ترددوا في استخدامها.
الفتى (أبوجفين) لم يكتب كأديب أو مفكر ولم يقدم نصائح في التربية ولم يقدم وعظا وإرشادا، بل كتب مجموعة من الأحداث التي تناسب عمره وكأنها سرد ليومياته.
في فترة سابقة، كان البعض يمارس الوصاية الدينية ماذا نقرأ؟ ولمن نقرأ؟ فهل انتقلنا الآن لمرحلة الوصاية الثقافية وغيرها من الوصايات التي ما أنزل الله بها من سلطان؟
هذه الحملة الشرسة ضده وما صاحبها من تهكم على فتى لم يبلغ العشرين قد تدمره معنويا وتقتل الجرأة عنده وعند غيره، تقتل روح المحاولة للقيام بشيء ما أيا كان، ومن يتابع المشهد من أولياء الأمور، سيفكر ألف مرة قبل أن يسمح لأبنائه الموهوبين بخوض تجربة جديدة خوفا من النقد الجارح والسخرية والتهكم الذي قد يحطم أبناءه.
كنت أتمني أن يحظى (أبا جفين) باهتمام ورعاية أولئك الكتاب، بل تمنيت لو وقف على منصته أحدهم وقدم له بعض النصح والمشورة بدلا عن ذلك الهجوم الكاسح، بل ليت أحدهم يتبنى كتابه ويعمل على تطوير لغته وأسلوبه ليقدم لنا سلسلة تشبه (نوعا ما) تلك اليوميات التي كتبها الكاتب الأمريكي (Jeff Kenney) في السلسلة العالمية (Diary of a wimpy kid) والتي تسابقت دور النشر العالمية على نشرها وتوزيعها ولا ندري ونحن نعيش هذا الانفتاح الكبير في كل المجالات، فقد يفاجئنا منتج عالمي ويلتقط عمل هذا الفتى (الذي يحظى بمتابعة عدد ضخم يفوق المليونين متابع) ليقدم عملا فنيا يطرح قريبا مع بدء الحياة السينمائية في السعودية! كما حصل مع سلسلة الروايات العالمية المذكورة أعلاه
إن الاغتيال المعنوي – خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي – صار أمرا يسهل ممارسته، لكن في النهاية سنعيش في مجتمع ممزقا فاقدا الثقة في من حوله وسيدفع الجميع الثمن، فأفيقوا لما تفعلون لأنكم لا تكسرون أشخاصا بل تهدمون وطنا وتقتلون الطموح والإبداع.
أتمنى على كتابنا الأفاضل أن يتبنوا حملة مضادة عنوانها (ادعموا أبو جفين)
كنت أتمني أن يحظى (أبا جفين) باهتمام ورعاية أولئك الكتاب، بل تمنيت لو وقف على منصته أحدهم وقدم له بعض النصح والمشورة بدلا عن ذلك الهجوم الكاسح،
الله على التفكير الإيجابي هنا نظرة حانية من كاتب قدير لوطبق كلامك اصبح البلد بخير
الأستاذ فايز ..السلام عليكم .. لقد أعجبني جداً مقالك عن ( الاغتيال المعنوي ) وهذا الشاب ( أبو جفين ) كان الأولى بالكتاب والمثقفين الأخذ بيده بدل مهاجمته . فهو غرسة يانعة جدير بِنَا أن نتولاها بالعناية والرعاية ، بدل اجتثاثها وهي لم تزهر بعد . وفقك الله وسدد خطاك لكل خير .