كنت أتمنى منذ وقت مبكر أن تهتم هيئة السياحة والأثار بمعالم منطقة الباحة، وأن تتعرف عن كثب حول تلك الأثار وفق دراسة ميدانية مستفيضة وجادة من واقع الجغرافيا في كل أرجاء ونواحي المنطقة, مع أنها رصدت الكثير من المعالم السياحية هناك ولا يجب أن ننكر جهودها الماضية فقد سعت بخطى حثيثة إلى تحديد ورصد الكثير من المعالم السياحية في كل أرجاء الوطن, ولكن كعناوين ومواقع جغرافية فقط, وهذا لا يكفي على الأقل من وجهة نظري, على اعتبار أن العنوان هو دليل إلى غيره, وما كنت أتمناه في هذا الاتجاه أن يكون التّعرف على بعض الأمكنة من خلال دراسة ميدانية مع توثيق مدون وفق ما يقدم من ثبوتيات لتلك المعالم مع استدعاء الشواهد، وكذا الوثائق التي سوف تحدد أثرية ذلك المَعلم, وخصوصًا أن هناك خطة وطنية شاملة (برنامج التحول) الذي سوف نمضي من خلاله نحو معطيات الرؤية الوطنية 2030, وبما أن المعالم السياحية تعد مواقع جغرافية كالجبال والأودية والغابات وغيرها في المقابل هناك أثار قديمة كالقلاع والمنازل, وما أعنيه في هذا المقال تحديدًا المنازل الأثرية ليس لعمرها التاريخي وفن عمارتها وإن كان هذا الجانب معنيًا بالضرورة ويتماشى مع الذاكرة الثقافية للناس والسياق التاريخي العام, ولكن بما اتصلت به من ذاكرة ماضوية أسهمت بشكل مباشر في حقبة زمنية كانت شحيحة, وقد أدت دورها بسخاء وحضور فاعل إلى جانب الدور الريادي مع القائد المؤسس طيب الله ثراه, ومن هذه المنازل من استقبل وفود الملك عبد العزيز ووقفت إلى جوارها, ولست هنا أسعى إلى إبراز معلم دون آخر فالجميع يجب أن توثق وفق ما لديهم من معطيات تاريخية تثب ذلك, فهناك متواليات لعطاءات هذه المنازل فضلًا عن ماضيها العاطر فقد شكلت ملاذًا لكل إشكال عالق بين القبائل والداعم الرئيس نحو استمرار الحياة الهادئة وناظمة لكل شئون الحياة وأضحت مَجمعًا لكل حياة الناس وتبعاتها في ذلك الوقت, وبما أن الهيئة في طور الإعداد وتسعى جاهدةً لحصر تلك الأمكنة وخصوصًا أن هناك توجهات لتوثيق التراث وإدراجه عالميًا ضمن المنظمة الدولية اليونسكو المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة انطلاقًا من معايير الاختيار الطبيعية والثقافية.
من الواجب والرسالة الوطنية أن أنقل في هذه المقالة وأطرح رأيًا كمبادرة أرى أنه قد يسهم وبشكل مباشر في تعزيز جانب مهم في توثيق بعض من ملامح التاريخ للدولة السعودية الثالثة لاسيما في النواحي والأطراف, وهذه المبادرة إن تبنتها الهيئة سوف يَعمل معها فئات كثيرة ومتعددة من مختلف شرائح المجتمع كأعضاء غير متفرغين, وهذا لاشك سيثري جوانب كثيرة من مختلف مناطق المملكة التي تزخر بالكثير من المعالم الطبيعية والثقافية, ففي الأطراف قد يكون هناك معالم يجب الوقوف عليها وإبرازها ليس للواجهة المحلية فحسب بل إلى العالمية وفق توجهات وتطلعات الرؤية الوطنية, فمن لديه الدراية والخلفية عن أي مَعلم في المملكة يتقدم للهيئة بعد أن تعلن عن ذلك وفق ضوابط لهذا الشأن على أن يُقدم المشارك ما يثب للهيئة ويُوثق ذلك لاحقًا بزيارة ميدانية, والشاهد أن في دوس تحديدًا منزل الشيخ مسفر بن عبدالله الذي يعرف بشهران، ويمثل تحفة عبقرية من صنع الإنسان ومثالًا بارزًا على نوعية البناء, ولن أتطرق في هذه العجالة إلى تاريخ المنزل من حيث العمر الزمني أو حتى طريقة البناء من الداخل وفن العمارة فيه, وهذا سياق قد يطول شرحه, ما أود أن أتحدث عنه وأشير إليه في هذا الجانب هو ما يتعلق بالجوانب الوطنية حيث كان لهذا المنزل رسالة عظيمة, فقد استقبل وفد المؤسس رحمه الله ووقف بقوة وثبات وحكمة, وأناخت مطايا القوم قبالة المنزل الذي لا يزال يشمخ فارعًا في السماء إلى يوم الناس هذا, وينبئ عن تاريخ مليء بالعطاء والسجايا ومكارم الأخلاق وحب الناس, وقد عرف الوفد آن ذاك لدى دوس بأهل الغطغط وكان بقيادة الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل ابراهيم رحمه الله وذلك عام 1344هـ إبّان مرحلة التأسيس للمملكة، والغطغط هي إحدى الهجر بمنطقة الرياض وتقع غرب محافظة المزاحمية ويمر الطريق السريع المتجه إلى الطائف بالقرب منها, وهذا الوفد أمضى أيامًا في ضيافة الشيخ مسفر رحمه الله وتحديدًا في أرض الرهاطين في الواجهة الشرقية للمنزل وظل القوم حتى بايعت القبائل المجاورة، واستتب الأمر للملك عبد العزيز وقد سطر لسيرة هذا الرجل بعض المؤرخين ومن ذلك كتاب (رجال حول الملك عبدالعزيز) لمؤلفه الدكتور عبدالله بن سعيد أبو رأس, وقد ذكر في كتابه هذه الزيارة, وهذا ما يؤكد أهمية الرجل مع أن الموقع الجغرافي لدوس يعد بعيدًا في الأطراف فلم يكن الشيخ مسفر خامل الذكر أو منسي السيرة في تلك الحقبة من الزمن في وقت تنعدم فيه وسائل الاتصال, بل ظل صيت الرجل ذائعًا في كل مكان لما يتمتع به من نبل وكرم وشهامة, وهذا ما يؤكد حضور هذا البيت ومدى استجابة الناس لزعيمه.
هناك بعض أسماء أفراد القرية قد حملوا أسماء لبعض الوفود ولقّبوا بها على أسمائهم, وهذه حقيقة يعرفها الجميع وكانت ألقابًا يعتزون بها ويفاخرون فيها ولا يُعرفون إلا بها, ما يعني أن الاستجابة كانت طوعًا ورغبةً وأن التأثير جاء من شخصية يثقون بها ويسيرون خلفها, وتلك هي لاشك مرحلة تاريخه مهمة وحقبة يجب أن توثق لذلك التاريخ الناصع في حياة بيت آل مسفر في دوس, وحتى تتمكن الهيئة من مواصلة مشوارها الوطني الحافل نتمنى أن توفق في توثيق دور تلك المنازل حتى لا تشعر أنها أقل من غيرها في الدور الوطني في مرحلة التأسيس بعد أن تفاعلت بحكمة ووعي واستبشار مع طلائع وفد المؤسس طيب الله ثراه. وإلى لقاء
ماجستير في الأدب والنقد
ونعم واكرم برجال دوس في كل الميادين وبيض الله وجهك على ماقدمت يازميلي الغالي.
وصف شامل وكامل لمجمل الأحداث التي مرت بها قبائل المملكة ومنها قبيلة زهران والقبائل المتفرعه منها وبالفعل كانت زهران الى عهد قريب تساهم في تقديم المدد العيني للدولة قبل أن تسك الفلوس وتدفع في صيغة رواتب آت ذاك سواء حبوب او من الحلال وقبائل دوس كانت من السباقة لهذا الدعم السخي للملك عبدالعزيز رحمه الله ومن بعده الملك سعود حتى نهاية عام ١٣٨٣ هجري وحينما اصبحت الدولة في غنى عن ذلك لم يأتي أحد على ذكر ذلك وكأنها كانت ثرية منذ ان وحدت على يد المؤسس عام ١٣٥١ هجري …فمثل ما كانت قلوبنا وارواحنا مع المؤسس نتمنى أن يهمل جانبنا وينسى كل ما لع علاقة بتلك الحقبة من الزمن التي زلقت بظلالها علي متغيرات ذلك الوقت.
احسنت في هذه الإشارة