لن أتحدث في هذه العجالة عن نجاح ملتقى مكة الثقافي، ويكفي أنه خرج إلى العالمية من خلال إشادة المنظمة العالمية اليونسكو، بل إن المنظمة سعت إلى أبعد من ذلك وشرعت لبحث الموضوع لتحويلة إلى يوم عالمي للقدوة، الأمر الذي يؤكد رؤية حقيقية يمضي باتجاهها الملتقى، ويستشرف من خلالها أفق المستقبل لطمس كل القيم السلبية وإعادة بناء الإنسان على أساس من الوعي والمعرفة والحكمة والبذل والعطاء، ومن ثم الاستثمار الراشد والإيجابي في كل مخرجات الفكر الإنساني ووسائله المتعددة.
إن ملتقى مكة الثقافي يسعى إلى تنمية قيم الإنسان وفي مختلف شؤون الحياة وتبايناتها المتعددة، وهي من وجهة نظري عودة إلى ما تعارف عليه بالفطرة الإنسانية السليمة على قاعدة (فطرت الله التي فطر الناس عليها)، وهذا يعد شرطا أساسيا لوجود الإنسان وتعايشه مع الآخرين، وبالتالي التفاعل والإسهام بالقيم الإيجابية كقاعدة ارتكاز في منظومة التعاملات بين الناس، وفي الحقيقة هي مرحلة متجاوزة لاسيما من يتأمل فيها ببعد نظر وبعمق، فهذه التوجهات تعلي من قدرة الإنسان ومكانته، ومن ثم توظف عطاءاته في كل الاتجاهات لعمارة الأرض بكل ما يعنيه هذا المفهوم من معنى؛ لأن حقيقة الإنسان مستخلف في الأرض، وهذا الاستخلاف يقع عليه عبء تجاه الإنسانية ناهيك عن الوطن وإنسانه، فقيمة الإنسان هي بعطائه في الحياة، وما أعنيه بكلمة مثالية في العنوان حتى لا يؤخذ علينا ما لا نعني أو نهدف، هي حالة تنزع بالإنسان نحو الكمال أي دعوة إلى الكمال الإنساني لجعل الإنسان غاية أخلاقية ونموذج فريد، وهذا التوجه يحسب للقائمين عليه في منطقة مكة المكرمة؛ لأنه شَكَلَ علامة نائرة في جبين الوطن، وحتما وميضه البارق سيسافر إلى أبعد من ذلك نحو الإنسانية على اعتبار التأثير والتأثر في مد العولمة والقرية الكونية، ومن هنا جاء الملتقى ليضع الجميع نحو فاعلية مطلقة، ويحملهم المسؤولية من خلال سؤال استفهامي فلسفي (كيف تكون قدوة) فتداعيات السؤال منبة وتحدث شرارة فكرية ومفاهيمية حافزة للمتلقي تقوده نحو عطاء لا ينضب، ومن هذا المنطلق فإن هناك فروق فردية بين الناس، وهذا التنوع هو مصدر الثراء المعرفي، وعلى هذا الأساس كان لابد من إسهام الجميع ووضعهم في بداية الطريق مع رسم الآليات والخطط المنهجية، كما فعل القائمون على هذا المشروع الوطني الجبار، فالجميع لديهم طاقة كل حسب موهبته وقدرته، بمعنى أن الملتقى وضع الناس في مضمار التنافس نحو عطاءات متعددة، كل حسب ميوله ورغبته، وهذا التمازج بين المجتمع وحالة التلاقي التي يعيشها الوطن بين مختلف فئاته وعلى اختلاف تبايناتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية يجعل الإنجاز مغايرا تماما، كما يجعل من النتائج ناجزة على أرض الواقع، بل وحتى يتحقق أبعد من ذلك نحو الصعيد العالمي بشيوع مثل هذه المفاهيم والقيم وعود على ذي بدء إبان إشعاع النور ومنطلق الرسالة.
أجزم أن الوطن والمجتمع حققا إنجازا باهرا بهذا الملتقى؛ لأن هناك قدرات أسهمت بمشاركة فاعلة نحو التغيير، فالتغيير بحد ذاته يحمل مضامين ريادية سوف تؤثر في الاتجاه الإيجابي، وسوف يؤتي أكله ولو بعد حين لأن كل ذلك في إطار الشرع ومنصوص الدين.
جماع القول إن خوض مثل هذه الميادين الحضارية والفكرية والمعرفية حتما سيصاحبها زيادة الوعي وحضور لا متناهي للمبادرات والبرامج النوعية وما أتمناه أن يحذوها تطور مستمر لتكون مستدامة. وإلى لقاء عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد
موفقين إن شاء الله ونشكر كاتب المقال على تسليط الضود على هكذا نشاط يعود بالنفع للمجتمع السعودي بشكل عام ويضع المتلقي في الصورة كما يراها أخونا ابو عبدالملك.