قبل أيام قلائل التقيت بشخصية اجتماعية مميزة، شاءت الأقدار أن يحال للتقاعد قبل أعوام مضت، كغيره من موظفي القطاعين الحكومي والخاص، وكان حديثه معي جامعا شاملا بين أعمال ومنجزات قدمها استحق أن ينال عليها الشكر والتقدير من الجميع، وأن يشيد بأعماله الكثيرون.
ولأن سنة الحياة تقتضي إفساح المجال للآخرين، فقد رضخ لها وأدرك أن استمراره بمنصبه محال، فترك منصبه وأعماله ومنجزاته وسجله الحافل بالعطاء فخورا بهم.
غير أن فخره واعتزازه لم يدوما طويلا إذ سرعان ما ذاب كل شيء كما يذاب الملح بالماء، بعد أن بلغ الظن بأفراد أسرته وأقاربه أن تقاعده مستحيل وبقاؤه في منصبه دائم.
وأمام ذلك وجدته يقف متألما شاكيا قائلا : كنت بالأمس في الصفوف الأولى متواجدا، وكان ذلك ممكن اليوم لولا الاعتقاد الخاطئ والأسلوب السيئ الذي انتهجته وأفراد أسرتي فأضعنا المحبة التي حفظت في القلوب سنوات، وبات الكل ينفر مني ويبتعد عني، ويردد بعضهم قائلا ” رحلت بعد سنوات وليتك رحلت من قبل”، متناسين كل عمل قدمته.
ونصيحتي لكل من يصل لمركز قيادي بقطاع حكومي أو خاص، أن يتذكر لحظة الرحيل ومغادرة المنصب، وأن يعمل لغده لا ليومه، وألا يجعل الغرور والكبرياء يسيطران عليه، فالزمن ساعات وأيام ويوما ما سيفارق الجميع مناصبهم ويحل جيل جديد يحمل فكرا جيدا.
وكم أتمنى أن يكون الوفاء مقرونا باحترام عطاء الآخرين وعدم الإساءة لهم، وليت أولئك الصبية يتذكرون أن المناصب لا تدوم، وأن رصيد الإنسان الحقيقي هو الاعتراف بما قدمه السلف من أعمال وتقديرها، لا العمل على توجيه الإساءة له ولفريق عمله.
0