باتت الصناعة النموذجية المادية اليوم غاية تتسابق إليها الشركات الكبرى والقوى الاقتصادية العريقة، بل إن الحكومات تسعى جاهدة لتملك أكبر كمٍ ممكنٍ من النماذج المادية التي يمكن من خلالها بلوغ مصالحها وزيادة أرباحها السوقية.
ومما لا شك فيه أن صناعة النموذج لأغراض مادية أمر مألوف ومقبول بالنظر لأصل الصناعة والغاية المرجوة من تقنينها، وبلوغ الذروة في حبكتها والتفنن في تقديمها، مما يجعلنا في تقبل تام لصناعة النموذج المادي أيًا كان نوعه ومبتغاه.
وفي المقابل فإننا ننظر بريبة لرغبات صناعة النموذج المثالي ونمذجة القيم والأخلاق، لما فيها من مناقضة للطبيعة الإنسانية والاعتبارات الإسلامية، حيث إن طبيعة الإنسان ترفض القولبة والتماثل المطلق، علاوة على أن الاعتبارات الإسلامية كلها تعمل على تزكية الفرد والجماعة انطلاقًا من داخل النفس وتقوى القلب لا من منطلقات خارجية واعتبارات سطحية ظاهرية، ولأن القدرات تتفاوت والقناعات تختلف فإن نمذجة الناس على صفة واحدة لايمكن إلا على سبيل العنت ولبوس النفاق وتزييف الواقع !.
ولهذا فإن الإسلام جاء بلفظ “القدوة”، ولم يكن من غاياته العامة صناعة النموذج الجمعي، حماية للفرد من أنواع القصر والإكراه، وبعدًا بالمجتمع المسلم عن دنس النفاق وموارد المداهنة والزور.
في حين أن محاولات نمذجة المجتمع من خلال نمذجة الفرد تفضي إلى روابط أيديولوجية وجنايات استبدادية تختزل حرية الرأي واختلاف وجهات النظر والإختلاف المعتبر شرعًا وعرفًا لصالح الطاعة المطلقة للقوة المحورية الغارقة في لجة النمذجة !.
ولنا أن نشيد في هذا السياق بالملتقى الثقافي الذي أطلقه مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، ملتقى مكة الثقافي”كيف نكون قدوة” في دورته الثانية، والذي يفتتحه سموه صباح هذا اليوم، إذ إنه جعل لفظة القدوة غاية تحدو الفرد والمجتمع لحياة مثالية سليمة من كل احتمالات الإكراه والتصنع، وتحترم في الوقت ذاته القدرات المتباينة والقناعات المتنوعة وكأنه ينادي فينا بقول الله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ).
#ابن_سفير