حقيقة قد تغيب عن بعض المسؤولين في الإدارات المختلفة، وهي أن الإعلام مرآة الوطن وصوت المواطن، بل هو في مجمله عين ذلك المسؤول القابع خلف مكتبه الفاخر، إذا اعتبرنا أن وراء كل خبر أو تحقيق صحفي إعلامي، عدسة كاميرا توثق الحدث بالصوت والصورة، وقد يرفق ذلك الجهد تقارير موثقة من جهات معنية مكلفة بالسلامة الأمنية والصحة العامة وسلامة البيئة المحيطة بنا، وفلذات أكبادنا من البنين والبنات، والحديث هنا يعيدني للذكريات وأرشيف زاويتي (المواطن يسأل) لعام 1435، والمقالات المتتالية التي صدحت بها بالصوت والقلم على صحيفة مكة الإلكترونية، التي أكن لها احتراماتي، لملامستها الحقيقة ونشرها بلا زيف، وهذا هو المأمول في كل إعلامنا بجميع فئاته.
من تلك الجهات الوقورة التي خاطبتها تعليم مكة المكرمة، في مقالات متلاحقة باعتبار أن في التعليم بناء لمجتمع ناجح أو غير ذلك، بما يذكرنا بالقول: (إذا أردت أن تهدم أمة فابدء بالتعليم)، وإن كنت في حينها شكرت تعليم مكة عبر الصحيفة ذاتها، لمروره على ما سطرته بالصوت والقلم، بل والرد الجريء على زاويتي الصوتية تحت عنوان (المواطن يسأل مدير تعليم مكة المكرمة)، التي استرسلت فيها موجزا لحال بعض مدارس المنطقة، لواقع لمسته خلال تشرفي بالعمل في سلك التربية والتعليم، والصورة القاتمة التي عشت بعضها ثم فضلت التقاعد المبكر، بعد ثلاثة عقود من الزمن، ولمناسبة الحدث وما يتداول في منازلنا وعلى صفحات الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع لانتشار الأوبئة، ما هو إلا نذير ناقوس تم طرقه منذ سنوات مضت، عبر وسائل الإعلام، وبكل أسف قابله المسؤول ببعض تجاهل وإنكار لواقع ملموس، حتى يكاد يشاهده كفيف البصر إلا هو، ومن تلك المقالات التي لاقت كل ذلك الوصف، مقال كتبته بعنوان (مدارسنا..مخالفات بالجملة)، افتتحته بقرائن أوردتها صحيفة المدينة يوم الأربعاء 13 صفر 1437 في تقريرين، أحدهما رصدته هيئة الرقابة والتحقيق وما سجلته لعدد 83 مخالفة على مدارسنا، إضافة إلى المخالفات التي شملها التقرير من (وجود نقص في الكوادر التعليمية والإدارية والمقررات المدرسية، وتدريس مواد من قبل معلمات لغير التخصصات، ونقص في الفصول الدراسية والتكدس الملحوظ في الطلاب والطالبات، واستخدام فصول لا تتناسب والجو المدرسي، ناهيك إلى وجود فصول دراسية معدومة الصيانة)، ومما زاد الطين بلة ما أورده الدفاع المدني بمنطقة مكة، في تقريره المبني على جولات الكشف الميداني الوقائي، الذي حذر فيه إدارة تعليم المنطقة من العديد من الملاحظات، ومنها على سبيل المثال (عدم التقيد بالطاقة الاستيعابية للفصول الدراسية، وما تم رصده في حينه لبعض التصدعات والعيوب الإنشائية على المباني المدرسية وأسوارها الخارجية، وبعض معوقات السلامة وعدم صلاحية بعض شبكات السلامة وأجراس إنذاراتها، واستخدام أسطح المباني للفسحة المدرسية والألعاب الرياضية في بعض المدارس المستأجرة)، وغير ذلك مما أورده التقرير في حينه.
ناهيك عن عدم ملائمة بعض المقاصف المدرسية للسلامة الصحية، لوجودها في غرف وزوايا عديمة التهوية، يتزاحمون على شبابيكها فلذات أكبادنا بنين وبنات، وبكثافة حتى انتهاء وقت الفسحة المحددة، يصطفون طوابير ليتناولوا أطعمة وعصائر وحلويات ومقرمشات، يطول الحديث عنها، مكتفيا بالإشارة لما ورد من تقارير مكاتب الصحة المدرسية، لما تسببه من أمراض صحية على المدى القريب والبعيد لتشبعها بالزيوت المحترقة والمواد الحافظة والصبغات، إضافة إلى ما نشاهده من تعدد المدارس المسائية، التي تعني اشتراك وازدواجية طلاب المدارس في مبانٍ واحدة على فترتين (صباحية ومسائية)، وفي ذلك من وجهة نظري المتواضعة إرهاق للمباني وأجهزتها الكهربائية، والغريب في الأمر أن من بين طلاب تلك المدارس المسائية، أطفال وغيرهم من الذين بلغوا سن المراهقة (بنين وبنات) في جميع المراحل التعليمية، وقد كتبت وغيري من الأقلام الصحفية عن ذلك ولمرات عديدة، حرصا على سلامة فلذات أكبادنا الذين يتأمل فيهم الوطن النبوغ ومنافسة أقرانهم من دول العالم، وليس ذلك ببعيد أو مستغرب، لما تنفقه الدولة حفظها الله بسخاء لا محدود عبر ميزانياتها المعلنة في كل عام، وخاصة في مجال التربية والتعليم الجامعي والعام، وما يتبعها من تصريحات لعقود إنشاءات ومقاولات لمباني تعليمية مستحدثة في المدن والقرى، وما نسمعه من وعود وتصريحات لقيادات تعليمية على صفحات الإعلام، بالارتقاء بالعملية التربوية التعليمية، وتلافي الملاحظات والسلبيات المتداولة في وسائل التواصل ودهاليز الإدارات التعليمية، وبكل أسف يتكرر الحال من عام إلى آخر، ويبقى المعني متفرجا على كراسي الانتظار، متجاهلاً تلك الأجراس التي قرعت، من قبل الإعلاميين وذوي الخبرات.
هنا أستأذن عزيزي القارئ بسؤال هؤلاء، هل يدرس أبناؤهم وبناتهم في مدارسنا العامة !؟ سؤال نلمس جوابه في الطفرة العالية (غير الصحية) للتعليم الأهلي ومدارسه، التي كادت تنافس أعداد البقالات في كل زاوية من الأحياء والمخططات، ولن أبالغ إن قلت: بأن عدوى الكثافة الطلابية والتكدس (بنين وبنات) لحقت بالكثير من المدارس الأهلية إن لم يكن جلها،، ولحرص صحيفة مكة على نقل الرأي والرأي الآخر، نشرت تحت عنوان (المدير العام للتربية والتعليم بمنطقة مكة المكرمة الأستاذ محمد بن مهدي الحارثي، يرد على الزاوية الأسبوعية (المواطن يسأل)، والتي تناولت فيها وضع المقاصف المدرسية، حيث أكد سعادته بأن جميع المقاصف المدرسية في منطقة مكة المكرمة، تخضع لإشراف اللائحة الموحدة للاشتراطات الصحية للمقاصف المدرسية، وتحظر بيع المقرمشات والحلويات والمشروبات الغازية التي تضر بصحة الطلاب والطالبات، مؤكدا سعادته بأن مقاصفنا المدرسية، تحوي بين جنباتها الحليب والتمر !، جاء ذلك في خطابه المرسل لصحيفة مكة الإلكترونية، تمنيت حينها إن لم يتسرع سعادته في رده، كونه حديث عهد في ذلك العام بإدارة تعليم مكة المكرمة، ولحرصي على إحقاق ما أوردته في زاوية (المواطن يسأل) وما سطرته في المقال الصحفي، كتبت مقالا آخر تحت عنوان (الاشتراطات الصحية في مقاصفنا المدرسية)، تعقيبا على خطاب سعادته آنف الذكر، ليوم الاثنين 1435/11/13والمشار فيه إلى مقطع اليوتيوب المنشور في الصحيفة، تحت عنوان (المواطن يسأل مدير عام إدارة التربية والتعليم بمكة المكرمة)، وهنا أستأذن سعادته بسؤال مفاده، هل لا يزال على قناعة بأن جميع المقاصف المدرسية بالمنطقة تخضع لإشراف اللائحة الموحدة للاشتراطات الصحية المعززة لسلامة الطلاب والطالبات، وتحظر ما أوردته عليها من الملاحظات، وهل تأكد سعادته أيضًا بالتزام مدارس المنطقة، ببرنامج الحليب والتمر والتوعية بمضار المشروبات الغازية، إلى آخره، وهل لا تزال مدارس تلك الأحياء المعنية، تبيع في مقاصفها بطاطس مقلاة تباع في أكياس ورقية بنية، وهل يتم صيانة مراوحها ومكيفاتها، لا سيما وبعضها يعمل لفترتين صباحية ومسائية، والحديث عن أدوات النظافة والمطهرات ودورات المياه وبرادات الماء التي في مدارسنا يطول، مؤكدا لسعادته بأنني من منسوبي التربية والتعليم، تنقلت خلالها في العديد من المدارس التي تشرفت بالخدمة فيها، ولمست فيها بألم كل ما أوردته من ملاحظات في حينه، مشيدًا بدور المعلمين والمعلمات، وما يبذلونه من جهود مضنية للارتقاء بالتربية والتعليم، رغم تزاحم فلذات أكبادنا وتكدسهم في فصول دراسية، بعضها يفتقد للسلامة الصحية، وبعد كل ذلك يطالعنا المسؤول، بأريحية عالية وبخبرته الطبية الفائقة، بالقول: إن وباء الجرب، الذي وجد في بيئتنا المدرسية خير ملاذ آمن للتكاثر والانتشار، شبيه بمرض الزكام أو الإنفلونزا، ومن وجهة نظري هو في رده، يقلل من معاناة بيوتا فُجعت في فلذات أكبادها، ويا ليتهه سكت !،
وأختم بعد الصلاة على النبي محمد وآله، بالابتهال إلى الله تعالى، أن يزيل الغمة ويشفي مرضانا والمسلمين..
https://twitter.com/makkahnews1/status/981614906440077312