كثيراً ما نسمع عن كلمة العشوائيات وما تمثله من مشكلات إقتصادية صحية عمرانية، وهي في حقيقتها منشآت سكانية شعبية أو خرسانية، تتم عادة بلا تراخيص نظامية، بعضها أنشئ على أراضٍ مملوكة للدولة، أو لأشخاص هاجروا إلى دول أخرى مجاورة أو بعيدة بحثاً عن الرزق، إذ كانت المنطقة تعيش حياة بدائية وفقر، ثم تقطعت بهم السبل واندثرت أخبارهم، وليس لدى ورثتهم الأوراق الثبوتية لتلك المواقع العشوائية، والتي غالباً ما تكون في المناطق المركزية من المدن، وليس أدل على ذلك منطقة مكة المكرمة، التي تكثر عشوائياتها في الأحياء المجاورة للمسجد الحرام، وبإعتبارها أحياء أو تجمعات منشأة بتعديات على أملاك الغير، أو بلا ثبوتيات شرعية نظامية، فهي مناطق محرومة من كافة المرافق والخدمات، التي تمثل حتى أدنى مستوى للحياة الكريمة، مما يجعلها أرض خصبة للأمراض الوبائية وغيرها، مع تفشي الأمية والجهل حتى بالصحة العامة والنظافة، وإنتشار أنواع من الجرائم المنسوبة لأولئك المندسين في تلك الأحياء العشوائية، وبذلك تصبح وتمسي مصدراً للحياة البدائية، وما يتبعها من جرائم تندرج تحت مسمى الإرهاب.
وحتى أكون منصفاً لتلك العشوائيات، فبعضها تأوي بين جنباتها الكثير من حفظة كتاب الله الكريم والأحاديث النبوية، ومنهم من توارث العلوم الدينية عبر الأجيال والمدارس الخاصة الشبيهة بالكتاتيب وحلقات حفظ القرآن والعلوم الشرعية، المتواجدة في مباني تلك العشوائيات، وفي كل الأحوال يمكن وصف المساكن العشوائية بالمخالفة للقوانين والتنظيمات العمرانية الخارجة عن التخطيط الحضري، الغير مستوفاة لشروط وسلامة المباني، وبالتالي تتجاهلها التنظيمات البلدية والمشاريع الحيوية، من شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، لصعوبة الوصول إلى مبانيها التي تم إنشاؤها على سفوح الجبال أو المنحدرات، وذات شوارع ضيقة متعرجة، يصعب وصول المعدات إليها أو لأسباب أمنية أخرى، ولكل تلك الأسباب الواردة، فقد وضعت الدولة حفظها الله تلك العشوائيات في أولويات إهتماماتها، إذ أدرجها مجلس الشورى في جدول جلساته لعام 1437، لتكون على المحك، وطالبت اللجنة في توصيتها السادسة وزارة الشؤون البلدية والقروية، بالعمل على تفعيل دور الشركات البلدية، التي أنشأتها الدولة لتطوير المناطق العشوائية داخل المدن، للقيام بدورها الذي أوجدت من أجله، وتقييم التجربة والإفصاح عن ذلك في تقريرها التالي، ومن وجهة نظري الحاجة ماسة إلى تطوير العشوائيات وليس الإكتفاء بتجميلها، مع الحرص على تطوير السكان الذين يعيشون في تلك العشوائيات قبل مبانيها، على أن لا يتم التخلص من العشوائيات بالإزالة الكاملة، ولكن بالإحلال والتجديد على مراحل متتابعة، بعيداً عن التهجير القسري لسكانها بحجة التطوير، وهذا هو المأمول في قيادتنا الرشيدة، ولذلك لا بد من إعداد تخطيط شامل، تشترك فيه العديد من الوزارات المعنية في الدولة (إسكان، صحة، وبلدية، تعليم، بالإضافة إلى الجهات الأمنية)، مع الحرص على تعاون تلك الفئة من ساكني الأحياء الشعبية، إذا أعتبرنا العشوائيات سبباً في تفشي الجريمة والأمراض والأوبئة وتخلف العمالة الوافدة، مع لزوم إنشاء مساكن إيواء بديلة لمن يحملون أوراق ثبوتية لتصحيح أوضاعم، أسوة بمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، واللجان التي أمر بها لتصحيح أوضاع الجالية البرماوية.
ليعلم يقيناً عزيزي القارئ، أنني لست مدافعاً عن الجهات المعنية بتردي أحوال العشوائيات، وما آلت إليه أوضاعهم، التي تكشفت على صفحات الإعلام، وما ظهر للعامة من قصور واضح، جعلها في عداد المناطق الخارجة عن التغطية الخدمية، حتى شاع وباؤها على المناطق المجاورة، لأسباب بعضها مشاع، مما استدعى جميع قيادات المنطقة للتحرك السريع، قبل أن تفحل المعضلة لتكون أزمة يصعب القضاء عليها، رغم الجهود المضاعفة التي تقوم بها اللجان المشتركة، التي وجه بها سمو أمير المنطقة، ومن هذا المنطلق وجب علينا جميعاً الحرص على توخي الحيطة والحذر في كل مناحي حياتنا اليومية، وعلى إدارة تعليم المنطقة العبء الأكبر في القيام بما هو مناط بها من المسؤولية، نحو التخفيف من كثافة الطلاب والطالبات في الفصول الدراسية، والعمل على توعية المجتمع التعليمي بالعادات الصحية المكافحة للوباء، متضامنين في ذلك مع الشؤون الصحية بفرقها الطبية الجوالة وأمانة العاصمة المقدسة بفرق رش المبيدات ورفع ما تراكم من نفايات في تلك الأحياء، ولا غرابة إن تضامن الجميع تحت إدارة أزمات وطوارئ، لا سيما ونحن مقدمون على شهر رمضان الفضيل، وما يتخلله من كثافة للمعتمرين والزوار، ولمثيري الإشاعات كلمة أختم بها ما سطرته، علينا توخي الحذر وعدم تداول أي معلومات أو إحصائيات إلا من مصدرها الموثوق المعلن عبر الجهات الرسمية في المنطقة، إذ الإشاعة أقوى داء يستخدمه أعداء الأمة الإسلامية..
https://twitter.com/makkahnews1/status/982554380506451969