د. فاطمة عاشور

نعيق الغراب .. أم .. هديله؟؟؟

الغراب طائر مسكين تعاقب اتفاق البشر على كرهه والتشاؤم منه، وربما يعود ذلك إلى سببين هما لونه الأسود الفاحم وصوته العالي المستفز للأسماع، بينما تؤكد المعلومات أنه طائر عادي كباقي الطيور، بل إن البوم والصقور، والأول مثار التشاؤم والثاني رمز العنف هما ألد أعداء الغراب كونهما يهاجمانه ليلًا ويقتلان صغاره، ويتميز الغراب بصفات جميلة جدًا منها كونه مخلوقًا ألوفًا يعيش في أسراب ولايتركها وكونه يغار على أنثاه، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها، وأنه ذكي وقادر على تمييز حتى الطيب والسيئ من ذوي البشر، وأن زوجته تضرب من يحاول الاقتراب منها، ويعيشان معًا طوال الحياة بلا افتراق، كما أن الغراب طائر ذكي قادر على العد حتى رقم ٩، و هو مفيد في الزراعة حيث يتغذى على الديدان والآفات الزراعية، كل تلك المميزات ولايزال العرب بشكل خاص يتشاءمون من الغربان وينفرون منها.

هذا الفهم المغلوط والتاريخ المزور للطائر المسكين، ذكرني بحال الإعلام ومايصنعه من مهازل واتجاهات، ومايتبناه من رؤى تبنى لمصالح معينة لاتمت للواقع بصلة، وترعاها منظمات ودول وفق المصلحة الخاصة لكل منهم.

يحضرني الآن أنه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، انتشرت تجارة الرق والعبودية في أوروبا وأمريكا حتى بلغ عدد العبيد في عام ١٨٦٠م ٤ ملايين عبد، وعانت جماعات ضخمة من الأفارقة وغيرهم من ذل ذلك الشبح المخيف والممارسات اللا إنسانية حتى قامت الانتفاضة ضد الرقيق متمثلة في الحرب الأهلية الأمريكية، وأنهى لينكولن عهد الاسترقاق المرير، وإن كانت دوافعه حينها اقتصادية بحتة ما بين الشد والجذب بين شمال أمريكا المتمثل في الاحتياج للرقيق للصناعة، والجنوب المحتاج للرقيق في الزراعة فالدوافع الإنسانية هنا كانت غائبة بينما الإسلام العظيم، والذي بعث به سيد الخلق كان قد أصدر قرارًا ثوريًا حازمًا منذ قرون طويلة ضد نظام الاسترقاق، وتم إبطاله تمامًا في المجتمع بعد أن كان سائدًا في العالم كله قبلها، وانتهت تلك الحقبة السوداء في القرن الماضي بعد حكايات أشبه بالمجازر الوحشية التي استباحت عرض هؤلاء المنكوبين واستمرأت إهانتهم .. وظلت أمريكا وأوروبا بالرغم من كل ذلك الفحش في الظلم منارات للتحضر والتمدن وحفظ حقوق الإنسان – حسب زعمهم – واستطاعوا بخبث أن يزيلوا ذلك التاريخ الأسود بمحاية رفعت كل أثر لتلك البربرية التي أخذت قرنين من الزمان لتنتهي، ولازال الأسود إلى اليوم يُعاني من بعض التفرقة العنصرية هنا أو هناك في أمريكا وأوروبا، حتى وإن كانت حالات فردية وبشكل غير معلن.

دعاني لتذكر كل هذه الخيوط هو ماتفعله أمريكا اليوم، وهي تقود سياسات العالم في بوتقة واحدة داخل صندوق موحد تمسك خيوط الأمم بين أصابعها، وتنصب نفسها أمًا رؤومًا للجنس البشري، وتجعل من ذاتها قاضيًا وجلادًا في ذات الوقت، ومثل أمريكا نجد روسيا التي تساند النظام الصفوي في سوريا وإيران وتدعم الجزر والذبح واستخدام الأسلحة الكيماوية، ومثلها بعض من دول أوروبا إلا مارحم ربي، وأخذ عقلي يفكر أين كانت حقوق الإنسان والمساكين حين استمرت العبودية قرنين من الزمان ولم تنتهِ إلا بحرب مات فيها عشرات الألوف!!؟ و الثورة البلشفية في روسيا ألم تقم لإنهاء عهد ظالم متجبر؟؟ وغيرها الكثير من نماذج ومجريات وأحداث كانت فيها تلك الحكومات مدانة أمام أممها وتساءلت : لماذا يضع العالم عينه علينا إذن لمناقشة أمورنا الخاصة وتفنيد مدى حريتنا كمسلمات أو سعوديات؟؟ لمَ أمريكا وغيرها من دول الغرب والشرق مشغولون الآن بقضايا وبمصلحة المرأة المسلمة وأين كان ذاك الضمير أيام العبودية والرقيق في بلادهم في القرن الماضي؟؟ من الممارسات العجيبة حين يظهر مسؤول أمريكي أو غربي ويتشدق مثلا بعبارة (نحن قلقون إزاء وضع المرأة في السعودية ونرى بأن التغيير غير مرضٍ و ننتظر الكثير) وأنا أتساءل: من أنتم سيدي حتى تعطوا لأنفسكم الحق لتقلقون أو ترضون أو تغيرون! ما الوصاية التي تجعل الغرب ينصب نفسه حكمًا و مُنَفذًا لمرئياتهم الخاصة حولنا.. نحن أمة ذات سيادة ولدينا دين يحكمنا وذوي أمر بايعناهم يراعوننا ويحكموننا ويسيرون أمورنا ..

مايثير حفيظتي أكثر هو رد بعض من يطلقون على أنفسهم مثقفين سعوديين والذين يقدمون كشف حساب للغطرسة الغربية، ويبررون ويناقشون حتى ثوابتنا من حجاب و غيره، لسنا ملزمين بأن نتغير لأجل إرضاء أحد بل نتغير لنصل إلى رضا الله التعايش بتكيف ونجاح مع مقتضيات عصرنا أي أن تغيرنا أمر يخصنا فقط ونحن أدرى به، كم يثير جنوني مشهد بعض الفقاعات الإعلامية من نساء ورجال و هم يقبعون كفئران بين ردهات وأروقة الصحافة العالمية يشتكون من الظلم وانحطاط مكانة المرأة ويحصرون التحضر في قيادة سيارة أو خلع حجاب ..حتى الترفيه المتطلب لكل فئات المجتمع وخاصة الشباب، جميل أن تبدأ فيه ثورة تصحيح على ألا يقتصر الترفيه على إقامة الحفلات والليالي فكلمة ترفيه أعمق وأشمل و يحتاجها جميع أفراد الأسرة لا المراهقين فقط وسد حاجات الترفيه تكون أجمل وأشمل ببناء النوادي الرياضية المنفصلة والنوادي الثقافية الحقيقية والفعاليات الدائمة من المراكز والمنتديات ومدن الثلج والألعاب وغيرها كثير والتي تقدم تنويعًا لكل الأعمار بحيث يجد الإنسان السعودي ترفيهًا بريئًا و تسلية محترمة على مدار العام لا لليلة كل أسبوعين.

كما نحن نحتاج إلى أمور أخرى كثيرة لتعيش المرأة وفق ما وضعه لها الشرع بكل رفاهية ويسر وحرية ولا تعارض بين الدين والحريات، وطبعًا الإعلام الصهيوني والغربي هو من يلبس مجتمعاتنا ثوب الغربان الكريهة بينما الغراب نفسه بريء من ذلك الموروث ضده من الرفض والتشاؤم، فنحن لاننعق بل نهدل كهديل الحمام وإن كنا كأي مجتمع آخر لدينا نواقص فسنكملها برؤانا بلا تدخل خارجي ولا وصاية أممية، ونحمد الله أن ولي عهدنا اليوم شاب فتي يريد قيادة هذا البلد نحو الأفضل و نحن معه، على أننا نناشده أن يتم ذلك وفق أسوار الدين ورحابة التقوى مع الانفتاح والتوسط دون إفراط و لاتفريط، ولاشك لدينا في عمله الدؤوب للارتقاء بمجتمعنا وهذا مبلغ أمانينا، فقط لنثق بديننا وبأنفسنا وقدراتنا وخصوصيتنا، أما أنا كمسلمة أنتمي بفخر لهذه البلاد فأعلن لست أعيش في قهر أو كبت، بل ديني قد منحني أعلى درجات التحرر والرفعة، وإن كان هناك ماينقصنا فسنحصل عليه ولن نفرط في ثوابتنا في سبيل الحصول عليه، وتغييرنا نحو الأفضل أمر يخصنا وحدنا، لا كشوف حساب تقدم لأي بشر، هكذا يجب أن نفكر ونعمل كسعوديين وسعوديات والله هو خير المستعان، فاليابان كوكب ولد على ظهر الأرض حضارة وتميزا ولم يكشف أموره لأحد ولم يسمح بالتدخل فيه لأحد، ولم يتركوا العصا كأداة أكل مع أنهم اخترعوا الصاروخ، بعض الثوابت لا تتغير إن أردنا أن نتحضر.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button