يحكى قديمًا، أن هناك بائعًا كبيرًا في عمره، قاصرًا في تعليمه، وتفكيره، وظرفه الزماني البسيط، وفتى يعمل لديه في دكان للبيع والشراء، يسانده ويساعده، وبالوقت نفسه يدرس عند معلم، وكلما استأذن والده للذهاب لمعلمه، ضاق صدره بهذا الدرس الذي يقطع الفتى من مراقبة حلاله وماله، وذات يوم حين استأذن الفتى والده للذهاب للدرس، سأله والده، الآن أين وصلت في تعلم الحساب عند المعلم قال الفتى: أصبحت أعد حتى الأربعمائة.
فقال الوالد: أجل اقعد يا ولدي ما عاد لنا حاجة بزيادة علمك، قروشنا مهما زادت ما تصل الأربعمائة .. !
هكذا مدّ الأب علمه على قد رجليه، أو على قد فلوسه !
لكنه لم يدرك أن الفتى ظل دون لحاف في المستقبل، لأن الفتى كبر وزادت فلوسه على الأربعمائة مليون، لكن علمه بقي عند الأربعمائة ريال.
لأنه خطط لدكانه هو وليس لدكان الفتى ولزمانه هو وليس لزمان الفتى ..!
بعدها فتحت المدارس وجاء زمن التعليم الإجباري، وتوالت الأزمنة بعجلتها السريعة إلى زمن ادخال منهج الانجليزي في المدارس.
منذ تقريبًا لعقد من الزمان كانت وزارة التعليم مترددة وتمانع في ادخال اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، وكان مجرد بث خبر ادخال الإنجليزي يقابل باستحياء شديد !!
مع العلم أن معظم الطلبة يشكون من ضعف ضليع في اللغة الإنجليزية، بل إنها كانت تُشكل عقدة للطالب ومن ثم صعوبة في إكمال دراسته الأكاديمية.
مرت عجلة الزمن بسرعة وأصبح هذا الجيل الشاب يتحدث اللغة الإنجليزية وبطلاقة، وزال العائق نهائيًا، ولَم نعد نسمع منهم “أنا ما أفهم إنجليزي .. أنا عقدتي الإنجليزي .. الإنجليزي صعب ..”
لقد توسعت مدارك هذا الجيل الجديد (جيل الألفية الثالثة)، بل زاد إلمامه بعلوم الكمبيوتر واللغة الإنجليزية اللتين هما اليوم يعتبران من الشروط الهامة في سوق العمل والوظائف.
أدرك هذا الجيل أكثر بكثير مهارة التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة أكثر من خليط اللسان الذي كان يتحدث به الجيل السابق الذي كنّا نعيشه “انت في روح انت في يجي، سيم سيم انا ..”
التي كنّا نتحدث بها مع ملايين العمالة التي تجول في بيوتنا وفِي مدارسنا وفِي شركاتنا؛ تذكرني بقصة رجل الأعمال وأبيه !
الآن والحمد لله أن الملايين من العمالة قد رحلت عن وطننا إلى غير رجعة، وأن لغة الهنود المكسرة انقرضت وتعطلت لغة الكلام المكسر للأبد.
اتسعت الآن دائرة التنوير، فهذا زمن أبناؤنا والجيل الجديد والأجيال القادمة؛ زمن التغيير التي هي سنة الله في الكون منذ أبد الأبدين.
زمن الانفتاح الثقافي والاجتماعي والاقتصادي؛ زمن التغير السريع على جميع الأصعدة بفضل جهود الدولة الجبارة في جميع المجالات.
اليوم خرجت علينا دعوة الإسلام الرحبة الوسطية التي تنادي بالعلم والمعرفة والعمل، وبالتالي يتغير تفكير الجيل ويصبح أكثر وعيًا وانفتاحًا و تفتحًا ..وعليه فالفرص تزداد وتزداد لحظة بلحظة.
المجتمع بشتى أطيافه في معترك تغيير جديد يخلق حياة رغيدة؛ فأنتم ثروة المستقبل تصنعونه بأيديكم؛ لكي تبنوا حضارة ومجدًا من ينابيع أفكاركم وتضاريس أعمالكم !!
نداء لهذا الجيل: خططوا لغد قادم، فالتطوير آتٍ، وارفعوا لواء التغيير…
عضو الجمعية التاريخية السعودية