المقالات

قُمْ للمعلم

قُـم للمعلــمِ وفّـهِ التبجيـــــلا

 كاد المعلـمُ أن يكـونَ رســولًا

(أحمد شوقي)

هذه العبارة اشتملت على تعريف واضح وشافٍ للمعلم فهو الشخص الذي اقترب من أن يكون رسولًا لعظم رسالته في الحياة فالتعليم ليس مجرد وظيفة، ولكنها ركيزة لبناء الأجيال؛ لذا فهو رسول يتجدد في كل الأزمان.

المعلم هو من يربي ويعلم أجيالنا الحالية والمستقبلية، وهو القدوة التي نرغب فيها لأبنائنا بعد الوالدين.. وفي الحقيقة أن المعلم في أول حياة أبنائنا الدراسية هو من يقلدون وهو من يلجؤون له في بحثهم عن إجابة على أي سؤال ويعتبرون إجابته حقًا ولا تقبل النقاش، فما يقوله المعلم صحيحًا بالنسبة لهم لأنه المرجع. فكم منا جاءه طفلة بمعلومة أو قصة يقولها وهو مصدقًا لها كحقيقة وعند سؤاله من أين لك بهذه القصة؟ فيكون جوابه بكل ثقة ويقين “معلمي أو معلمتي”. ذلك أن أثر المعلم على الطفل كبيرة جدًا واكتساب ثقة الطالب مهمة صعبة تحتاج جهدًا ووقتًا، ناهيكم عن التعامل مع الشخصيات والثقافات المتعددة للطلاب. فالمعلم واحد وأمامه 20-30 شخصية بثقافات مختلفة، عليه فهمهم واستيعابهم والتعامل معهم.

فعندما نتحدث عن المعلم يجب أن نجله لما يبذله من مجهود مع أبنائنا. وأن نحث الأبناء على احترامهم وتقديرهم فمن علمني حرفًا صرت له عبدًا. ولتحقيق ذلك يجب أن يكون الاحترام من أعلى الهرم التعليمي.. فهم أيضًا، أي المعلمين، شخصيات بثقافات مختلفة. فالمدرس المتفاني يقابله أكثر من واحد ينظر إلى التعليم على أنه مهنة توفر له الدخل الدائم والأمان الوظيفي المطلق، لدرجة أن المعلم التزم بالنمطية وعدم التطوير، ربما لقلة الحوافز التي تميز المعلم المبدع عن المعلم النمطي.
وإن كنا نتفق على أهمية مكانة المعلم والاحترام المفروض بين جميع الأطراف بهدف صنع قدوة للطلاب. فلا بد أن نعلم كيف نمكن الاحترام في نفوس الطلاب والأهالي على حد سواء.
فلكي يكون المعلم/ المعلمة قدوة، فعليه أن يتفهم الجيل الجديد وأحلامهم وقدراتهم، فإن اختلاف الأجيال الحالية عن السابقة يحتم على المعلمين استيعاب التطور المذهل في تفكيرهم مع ملاحظة أنه سنة عن أخرى يختلف الجيل؛ وذلك بسبب التطور السريع الذي يحدث محليًا وعالميًا. فبدون هذا الفهم لن يتحقق أي مفهوم للقدوة. وهذا ليس بالأمر السهل وإنما يحتاج إلى مجهود وقدرة وانفتاح نحو تقبل الآخر باختلاف الأعمار والثقافات والمرجعيات الاجتماعية والاقتصادية، كما تحتاح إلى اطلاع على آليات للتعامل مع سلوك الطلاب. وهي مهمة تحتاج إلى صبر ورغبة في تحقيقها. ومسؤولية يقع جزء منها على وزارة التعليم، وجزء يقع على مدراء التعليم في المناطق، وجزء على المدرسة والآخر على المعلم نفسه. ولا يمكن أن ننسى دور الطالب نفسه، والأهالي.

ولا بد أن نعي أننا لسنا في المدينة الفاضلة وأننا لا زلنا لم نصل إلى حد الكمال ليعرف كل قطاع مهامه أو مسؤولياته. المهم هو فهم الأفراد فهم من يصنعون التغيير. فوزارة التعليم لو وضعت البرامج وأدت مسؤوليتها ولم توجد قيادات في الصف الثاني لتنفيذ هذه البرامج بفهم واستيعاب لباءت برامجها بالفشل.
لذا فنحن نعود للأصل في الموضع ألا وهو المورد البشري، صنع قيادات تعليمية، استقطاب المعلمين المهرة بناء على معايير واضحة، ولتحقيق ذلك يجب العمل على اختيار مدير المدرسة ومديرة المدرسة المناسبين. والتي يقع عليهم عبء تهيئة الكادر الإداري والمعلمين وإشراكهم في مسيرة التعليم. والأهم السلوك وأسلوب العمل والتعامل. فالعملية التعليمية ليست المعلم وحده وليست الوزارة وحده فهي منظومة تبدأ بالوزارة وتنتهي بأصغر مهنة في المدرسة مرورًا بإدارة التعليم والمعلم والكادر الإداري والأهل والطالب.
فرغم ما يُذاع وينشر على أهمية العمل، وضرورة الاستماع للآخر، وتقبل الآراء على اختلافها، وضرورة تحفيز الآخرين.. إلى آخر هذه العبارات التي أصبحنا ننام ونستيقظ عليها. ورغم أن في الكادر التعليمي من يتغنى بهذه العبارات ويرددها دون فهم لآلية تنفيذها.

فلا زال في تلك المدرسة مدير لا يحضر الطابور الصباحي ليكون قدوة للوكيل والمعلمين، ولا زال في تلك المدرسة مديرة تطبق آليات الاستماع للآخرين والابتسام لحد التخاذل والتسيب، ولا زال أيضًا هناك معلمة تحفز الطالبات بابتسامة وكلمة كسلانة وبليدة أمام زميلاتها، ولا زال هناك مدرسة لا تعلم كيف تنفذ مجلس أولياء أمور بالشكل الصحيح، ولا زال هناك معلمة لا تحفز طالباتها المتفوقات لتستبقيهم وبالتالي تحافظ على مستوى المدرسة، ولا زالت هناك مدرسة لا تعترف بحصص النشاط وأهميتها، ولا تساعد في استخراج كوامن الطلاب والطالبات. ولا زلنا نعاني من نوعية الرحلات التي تقرر للطلاب، ولا زلنا نعاني من المدرس الذي يهدد الطلاب ويخوفهم، ولا زلنا ولا زلنا..
لذا فإن مهمة التغيير في القطاع التعليمي مهمة عظيمة إذا ما قسناها بعدد الطلاب والطالبات، وعدد المدارس في المملكة وعدد المعلمين والقيادات الإدارية.

وعلى التعليم من وزارة وإدارة ومدارس البعد عن رمي الاتهامات فيما بينهم، والتركيز على الإعداد الجيد للمعلمين لاكتساب احترام الطلاب وحبهم، ولن يحدث الاحترام والحب إلا من خلال قوة مهارة المعلم، وتمكنه من مادته وفهمه لسلوك ورغبات وتطلعات جيل الملينيوم.
هي معادلة متى ما وضعت بالشكل الصحيح، واشتملت على جميع العناصر متى ما أعطت المتوقع منها، وعندها فقط نقم للمعلم ونوفيه التبجيل.

Related Articles

One Comment

  1. شكراً لك على مقالك الجميل والمهم
    الذي يتكلم عن واقع نعيشة مع اننا ولله الحمد لدينا الكثير من القيادات التعليمية والمعلمين الذين نجلهم ونفتخر بهم فهم قدوتنا وقدوة ابنائنا يعملون بكل جد واخلاص ولديهم الامكانات والمهارات والتميز.
    وفي الجانب الاخر يوجد عدد لا بأس به لدية تقصير في اداء هذه الرسالة السامية
    وباعتقادي إن تطوير المعلم هي مهمة المعلم نفسه فيجب عليه الاهتمام بالبحث والاطلاع وتطوير مهاراته وقبل ذلك الاحتساب في عملة
    قال تعالى:
    (إن خير من استأجرت القوي الامين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button