في مقالي السابق تحدثت عن الصحافة الإلكترونية وما مدى أهمية الدور الوطني الذي يجب أن تقدمه من خلال ما تتبناه وتنشره عبر صفحاتها الرقمية ووسائطها المتعددة، وذلك من منطلق مسؤوليتها تجاه الوطن ومقدراته، فعلى الصحافة الإلكترونية دور وطني هام ومسؤولية كبيرة، وذلك لإيصال رسالتها الإعلامية بمحتوى ومضمون واعٍ وهادف، على أن يكون ذلك على المستوى الأفقي نحو كل القضايا وتفرعاتها المختلفة، ففي عالمنا اليوم تسارع منقطع النظير في سرعة الاتصال الرقمي في الفضاء الإلكتروني، ومع سرعته المتناهية قد يصل إلى المتلقي مهاجرًا من الخارج وهو مشوهٌ مغرض يحاول أن ينال من وضع أو ينتقص من آخر، وهنا يتوجب علينا الوعي والإدراك وتوخي الحذر مع حضور ذهني فاطن، وتفعيل دور الشخصية الناقدة في كل ما يرد إلينا، وخصوصًا تجاه الثوابت الدينية والأصول الوطنية، في المقابل قد يُنقل إلينا من مجتمعنا في الداخل وبحسن نية بغية الفكاهة وإضفاء جو من المرح، ويُكسب المتلقي حالة من الدعابة بفكرة يستلطفها محاولًا التأثير في الآخرين (النكتة) سواء كان ذلك مشهدًا مصورًا أو رأيًا مدونًا، في حين أن ما ينقله بعيدًا كل البعد عن هذا المفهوم، بل وحتى إنه قد يجافي قيم المجتمع ومبادئه، كونه يعكس سذاجة واستخفاف ويسجل حالة من البله، وفي واقعها جميعًا تسجل حضورًا باهتًا ورسالة عوجاء مظللة لم يوفق فيها، كل ذلك تمامًا خلاف وضع المجتمع، وفي حالات أخرى ترسم حالات من الجلافة والصلف فتصور غير الحقيقة، بل إنها تتجاوز الخطوط نحو التعمية والتشويش، ولأنها نشاز نود أن نؤثر فيها إيجابًا، لأن تلك الرسائل والمقاطع تظل تصورها عامرة في الأذهان لدى الغير فالانطباع الأول يظل محفزًا لصورة نمطية سابقة مستمرة في الأذهان، ولست هنا أدعي المثالية وعالم ملائكي لكنني أتجه بهذا الرأي إلى المفهوم الوسطي فلا إفراط ولا تفريط، بحيث لا نسفّه المجتمع ونغفل وضعه، فنحن بهذا الأسلوب نسلب الهوية الوطنية ونضعف حضورها في الساحة الرقمية في الوقت الذي يجب أن تكرّس خصوصًا مع المد العولمي وتداخل الثقافات، فيكون لها تأثير وفاعلية إذا كنا نؤمن بأننا ضمن هذه المنظومة الكونية وأن مقاييس الوعي تقاس بما يصدر منا وما هو مدرج في الساحة.
إن الفضاء الإلكتروني الواسع منح الجميع منصات إعلامية رقمية متعددة تتيح تفاعلًا مستمرًا مع الجميع حتى إنها أتاحت صداقات افتراضية مع كل هذا العالم على اختلاف ثقافاته وتعدد أجناسه فالتقاء الشرق والغرب عبر أثير الثورة الرقمية، وفي قابل الأيام ستتيح التقنية التواصل مع كل لغات العالم من خلال برامج الترجمة الفورية التي تتيح التواصل مع من يختلف عنك في اللغة، إلى جانب اللغة العالمية التي تستخدمها الأجهزة الكفية من خلال مدلولات الصور المرفقة بكل جهاز فنستخدم أوجه متعددة الدلالة موسومة بتغيرات فسيولوجية وهمية، فتظهر حالات الغضب وكذا الابتسامة والدموع والاشمئزاز والوجوم والاندهاش، وغيرها من الدلالات المتعددة في الأجهزة الكفية، كما أنها توصل إلينا حالات الإعجاب والضجر وإلقاء التحية والوداع وغيرها من الدلالات ذات الصبغة العالمية، لتصل بنا إلى كل مناحي اشتغالات الحياة اليومية، ولهذا سوف يكون حديثنا اليوم عن الإعلام الجديد وبرامج التواصل الاجتماعي بوسائطها المتعددة على اعتبار أن الجميع من الإعلاميين فلم يعد كما كان في السابق حيث كان الإعلام خاصًا بالنخب فلا تستطيع أن توصل رسالتك ورأيك إلا من خلال وسيط، وقد يطول انتظارك للوصول إلى الدور، وقد يغفل نظرًا لازدحام العمل وأرطال الأوراق التي تنتظر دورها في النشر، فعالم اليوم يشهد تطورًا متسارعًا حول وسائل الإعلام المختلفة بوسائطه المتعددة، فمن خلال هاتفك المحمول تصل إلى العالم، وهذه النقلة النوعية لاشك أسهمت بشكل مباشر في تبوأ الجميع منصات البث الرقمي، وعلى المستوى الفردي قبل المؤسسات والوصول إلى منابر إعلامية خاصة بكل شخص من خلال وسائط مرتبطة بالشبكة العنكبوتية، وما نتمناه أن نقيم علاقة إعلامية جديدة نستنتج من خلالها مشاهدة إعلامية عبر تلك الوسائط؛ لتحمل رسالة ذات مضامين حضارية وإنسانية تبث لكل العالم وإلى علاقاتنا الافتراضية التي هي بعيدة عن الاختلاط الحسي المباشر، وبالتالي فإن هذا التواصل سيكون غير موثوق به، فهو يكون مبنيًا من خلال برامج رقمية تُنتقل إلى الجميع دون معرفة الطرف الآخر وخلفياته الثقافية، ولهذا فإن التواصل سيصل إلى ثقافاتها متباينة وبيئات مختلفة، وعلينا أن نكون أكثر تأثيرًا وفاعلية لرسم الصورة المشرقة في الساحة الرقمية إلى جانب أخذ الحيطة والحذر، فالإعلام الجديد خصوصًا برامج التواصل الاجتماعي منحت الجميع الدخول بقوة عبر بوابة الألفية الثالثة بمساراتها المتعددة، وبكل التطبيقات الرقمية الجديدة إلى الواجهة العالمية، الأمر الذي يتطلب أن نميز ذلك ببعديه (الغثّ والسمين)، إذا كانا نهدف إلى إنجاز مشروع شخصي وإيصال رسالة حضارية نستحق عليها لقب سفراء الساحة الرقمية، وخلاف ذلك سوف تقصر الرسالة وسيصاحب ذلك نوعًا من الإحباط على الأقل من يهتم بالمضمون الهادف، لأن الدور يجب أن يتعدى إلى خلق أدوار متعددة، وأخذ زمام المبادرة في طرح طرق وبدائل لرسائل واعية وهادفة تعبر عن وعي وثقافة المجتمع، وهذه هي المهنية الحقيقة لصناعة التأثير في الناس وجذب المتلقي لدائرة الوعي. ومن خلال تلك الدائرة تتجلى حقيقة الإعلام الجديد القادر على الاستقطاب والتأثير المباشر في الاتجاه الإيجابي بالرسالة الواعية. كل ذلك فقط يتطلب حضورًا ذات وجود لبناء شخصية إعلامية راشدة تحمل هم الإنسان والوطن وإيصال الرسالة، ففي عصر الوسائط الرقمية لا مفر لنا أن نحضر في المشهد، بل كيف لنا أن نغيب؟، وما أتمناه أن تكون المشاركة قد الإمكان فاعلة وهادفة لإيصال الرسالة والرأي بطريقة حضارية والإسهام المعرفي والثقافي للوطن وإنسانه إما باستدعاء الماضي دون الثبات عليه أو توظيف الحاضر دون التشاؤم منه أو التطلع إلى المستقبل بكل أمل وتفاؤل، وهذا لاشك أفضل بكثير من سلبية المتلقي العجر المنكفئ خلف ذاته وذاك لا أتمناه على الإطلاق .. وإلى لقاء