في الوقت الذي كان العالم يحبس أنفاسه في إنتظار ما سيقرره الرئيس الأميركي دونالد ترمب في يوم الثاني عشر من شهر مايو الحالي، حول الإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران أو المصادقة عليه مجددا والإلتزام به، فاجئ العالم باسره رئيس وزراء إسرائيل يوم ٣٠ إبريل الماضي، بمعلومات دامغة تقطع الشك باليقين بان إيران غير ملتزمة بتعهداتها الدولية بما يخص الإتفاق النووي. ولم يعد مصير الإتفاقية النووية مع إيران كما كان عليه قبل إعلان الرئيس الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وثائق تثبت إستمرار إيران في تطوير برنامجها النووي بعد الإتفاق الذي ابرم بينها وبين دول ١+٥ في يوليو عام ٢٠١٥.
هذه ليست المرة الأولى التي تخفي إيران برنامجها النووي عن العالم وتعمل لتخصيب اليورانيوم في مراكز ومفاعل سرية، حيث كشفت إسرائيل والمعارضة الإيرانية مفاعل وبرامج إيرانية عديدة في السنوات الماضية مخصصة لتطوير مشروع إيران النووي. ولم يستغرب العالم عن إخفاء طهران برنامجها النووي قبل الإتفاق، خاصة من يعرف نيات ومشروع نظام ولي الفقيه في التوسع والسيطرة على العالم العربي وطموحه غير المشروع ان يصبح قوة نووية وإقليمية كبرى على حساب أمن وإستقرار دول المنطقة. لكن الإستغراب ان هذه المراوغات الإيرانية والمحاولات السرية للحصول على القنبلة الذرية تأتي في وقت الذي أتفقت مع الإسرة الدولية ان توقف برنامجها النووي وتضعه تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لم تسطع إيران حتى الآن من إزالة القلق الإقليمي والدولي والشبهات التي تدور حول برنامجها النووي المثير للجدل، حيث تطويرها المستمر لصواريخها البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية من جهة وطبيعة النظام الإيراني المخادع وغير الملتزم بالقوانين والاتفاقيات الدولية من جهة ثانية، يعززان المعلومات والوثائق التي كشف عنها بنيامين نتنياهو.
جعلت تلك الوثائق، الرئيس الاميركي أكثر إطمئنانا بقرار الإنسحاب من الإتفاق النووي، مالم يتم تعديله وإزالة الثغرات منه، حسب ما قاله في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الرئيس نيجيريا في واشنطن، عقب الاعلان عن الوثائق من قبل بنيامين نتنياهو.
وفي ظل الجدلية المتزايدة حول مستقبل الإتفاق النووي بعد إعلان الرئيس الأميركي موقفه والمرجح الإنسحاب منه، تلوح في الأفق عدة سيناريوهات في مواجهة التحديات ما بعد الإتفاق النووي الإيراني.
السيناريو الأول: التزام طهران في الإتفاق النووي بعد إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه، خاصة اذا أصرت الدول الأروبية الثلاث (بريطانيا، المانيا وفرنسا) على موقفها في الحفاظ عليه الى جانب روسيا والصين. في هذه الحالة ستفرض الولايات المتحدة الأميركية المزيد من العقوبات على إيران وستعرقل الإستثمار الإروبي والصيني في إيران وفي هذه الحالة سيكون الإتفاق حبرا على ورق لا تسطيع طهران والأطراف الأخرى الإستفادة منه كما تريد.
السيناريو الثاني: تصل المناقشات والمحاولات الحثيثة من أجل إنقاذ الإتفاق النووي إلى إبرام معاهدة جديدة ترضي جميع الأطراف بدرجات متفاوتة، وفي هذه الحالة يتم إزالة الثغرات في المشروع النووي ومعالجة ملفي الصواريخ البالستية ودور طهران في المنطقة خاصة في سوريا واليمن.
السيناريو الثالث: سيناريو الهروب إلى الإمام، تنسحب طهران من الإتفاق النووي ومن معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية (NPT ) في حال إنسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه. وفي هذه الحالة سينهار الإتفاق وترجع إيران الى المربع الأول إلى قبل عام ٢٠١٥، بل ستفتح أبواب جهنم عليها بعد ان تفقد كل حلفائها، حينذاك ستعود كل العقوبات و القرارات الدولية التي كانت مفروضة عليها وأهمها وضعها تحت البند السابع. وأكد هذا السيناريو سفير إيران في بريطانيا “حميد بعيدي نجاد” حيث قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة “سي إن إن” الأميركية، سوف ينهار الإتفاق النووي في حال إنسحبت الولايات المتحدة الأميركية منه. وأضاف ستنسحب طهران منه وستعود الأمور على ما قبل عام ٢٠١٥ في برنامج تخصيب اليورانيوم، وسيتم أعادة النظر في تعاون وعلاقة إيران بالمنظمة الدولية للطاقة الذرية.
وفي حال قررت طهران تخصيب اليورانيوم لاغراض عسكرية بنسبة عالية هذا يعني إعلان الحرب وسيكون الخيار العسكري من أهم الخيارات في جعبة الدول الغربية. وهذا السيناريو قد نوقش في الإجتماعات السرية في طهران وتسربت أخبار عن إستعداد طهران باقالة حكومة حسن روحاني وإعلان حالة الطوارئ بالاستيلاء على الحكومة وجميع مفاصلها من قبل الحرس الثوري الإيراني ونصب قاسم سليماني رئيسا لإيران. ولا أستبعد قيام طهران بتصعيد سياساتها التخريبية والإستفزازية في الإقليم وإشعال المنطقة بحرب جديدة والقيام بتصفية المعارضة وأبناء الشعوب غير الفارسية في الداخل.
في النتجية النهائية وبغض النظر عن قرار الإدارة الأميركية حول الإتفاق النووي الإيراني، نسطيع ان نجزم بان العلاقة الأميركية الإيرانية دخلت مرحلة تصعيد غير مسبوق، ولن تختصر على الملف النووي، بل من المؤكد ان ملفات عديدة قد فتحت بوجه طهران لمعاقبتها في قضايا دعها للأرهاب وتجاربها لصواريخ الباليستية وتدخلاتها السلبية في المنطقة وإنتهاكاتها لحقوق الإنسان وإختطاف الرهائن ذوي الجنسيات المزدوجة في إيران.