أيامٌ قليلةٌ و يُهل علينا شهر رمضان المبارك بأيامه و لياليه المتميزة عن سائر أيام العام ولياليه . شرعياً و تاريخياً ، كانت لرمضان مزية التنافس في الطاعات و الاجتهاد في القربات لذا كان شهر القرآن و شهر الفرقان . شهرٌ يجتهد فيه المسلمون في تلاوة القرآن المعظم و مدارسته و تدبره . و شهر الفتوح و الجهاد و النصرة للدين . كان النبي ﷺ يتحراه ليزداد قرباً من مولاه جل و علا حتى إنه ﷺ ليشُد مأزره و يطوي فراشه صائماً قائماً مناجياً متعبداً معتكفاً . وهذا دأب الصالحين من عباد الله في رمضان حتى يومنا هذا و حتى يرث الله الأرض و من عليها و هو سبحانه خير الوارثين .
لكن الملاحظ أن الإعلام حَرَفَ البوصلة و شكّل في وجدان المسلمين و عقولهم أن رمضان شهر المُتع و التفنن في المطعومات و المشروبات و شهر المسلسلات و الأفلام والمسابقات التي لا تظهر و تنشَطُ إلا في رمضان . فأصبح النهار للنوم بدل الجد و العمل و أمسى الليل لتقليب القنوات بدل الصلاة و قراءة القرآن فيفوت الشهر و قد خرج البعض منه بمثل ما دخله و النبي ﷺ قد دعا بالإبعاد لمن أدرك رمضان و لم يُغفر له .
شهر الصوم الذي من مقاصده تحسُس أحوال الفقراء بمشاطرتهم الجوع و استشعار النعم المتتابعة من الحق جل و علا تحول ليكون الشهر الذي تزداد فيه الأوزان و تُرمى فيه فوائض الطعام المتنوعة في معاكسة للغرض الأسمى للصوم . تجدُ الأُسر تستعد لرمضان بقوائم المشتريات التي لا تنتهي حتى لتظن أننا مقبلون على مجاعة فأين نحن من أهدافه السامية و مقاصده العليا ؟
ختاماً ، أهل الخير و الصلاح ينشطون في أبواب الخير في في رمضان إطعاماً و تفطيراً و دفع للزكوات و الصدقات .. لكن حبَّذا لو أوجدت برامج مبتكرة تتحرى إيصال المنافع لمستحقيها الحقيقيين .فسُفر الإفطار مثلاً تُرمى فوائضها بعد الإفطار في حين لو حُسبت الكميات بدقة لاستفاد عدد أكبر و حُفظت النعمة ، و الصدقات تُوزع دون تحرٍ للمحتاجين لها بحق مما يُفوت على المتصدق و المتصدق عليهم خيرات كثيرة . و هذا الكلام ينسحب على كل أوجه الخير .
أهل الله علي و عليكم شهر رمضان بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام و التوفيق لما يحبه و يرضاه و جعله شهراً مباركاً على أمة الإسلام .
صادق رضا السنوسي