المقالات

الخروج على الحكَّام أساسُ كلِّ شر وفتنةٌ إلى آخر الدهر

عضو الجمعية العلمية للعقيدة والأديان والفرق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد
فقد أكَّدت النصوص القطعية من الكتاب والسنة على وجوب السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين بالمعروف في غير معصية، والصبر على جورهم وظلمهم، وترك الخروج عليهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: آية 59].

وهذه الآية نصٌّ في وجوب طاعة ولي الأمر، وإن اختلفت أقوال أهل العلم في المقصود بأولي الأمر، هل هم العلماء أم الأمراء، فإن طاعتهم نجاة وسعادة ، فالأمراء يصلحون الناس من الفوضى، ويدفع الله عزَّ وجل بهم المعضلة، والعلماء يدلُّون الناس على الحلال والحرام، فبطاعتهم تقوم السعادة في الدارين.
وجاءت سنَّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبيِّنة ومفصِّلة ومفسِّرة لهذا الأمر العظيم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)، رواه البخاري برقم 2957.

والخروج على السلطان خطير يترتب عليه مفاسد عظيمة، بل لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وترتَّب في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته، وهذا ملاحظ ومشاهد برأي العين في البلدان التي لم تعمل بهذا الأصل.

فتجب طاعة وليِّ الأمر ولوكان من الفسَّاق؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب طاعتة، والصبر عليه ولو كرهنا دينه وعدله، فإننا نسمع ونطيع ونؤدي حقه الذي أمرنا الله -عزَّ وجل- به في كتابه وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله -عزَّ وجل- الحق الذي لنا، قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنَّا لا نخاف في الله لومة لائم)، قال: (إلا أن ترو كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان)، رواه البخاري برقم 7055، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كره من أميره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية)، رواه البخاري برقم 7053.

أمَّا تسلُّط الحكَّام وظلمهم لشعوبهم فيُدفع بالتوبة، والتضرُّع إلى الله -عزَّ وجلَّ- لا بالخروج عليهم وقتالهم، قال تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: آية ٤٣].
وقد يظن البعض أن الخروج على السلطان يكون بالسلاح فقط، وهذا خطأ؛ لأن الخروج يكون باللسان والتحريض أيضًا، وهؤلاء من القَعَدة، الذين يُزيَّنون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك.

فمن أراد النصح لنفسه وأحب نجاتها فعليه باتباع طريق أهل السنَّة والجماعة، فهم يدعون لحكَّامهم بالصلاح والإصلاح والتوفيق ولا يدعون عليهم بالهلاك، ولا يسبونهم، ولا ينتقصونهم، وإنما ينصاحونهم سرًّا لا جهرًا، ومن دعا عليهم فهو صاحب هوى، أما الذي يدعولهم بالصلاح فهو صاحب سنَّة -إن شاء الله- عزَّ وجل.
اللهم احفظ ديننا وأمننا ووطننا وولاة أمرنا.

8 Comments

  1. بارك الله فيكم د عبد الهادي. ما أعظم هدي الإسلام وما أجمل التمسك به، ففيه خير الدارين للناس أجمعين.

  2. مقال في غايةالروعة د. عبدالهادي
    أستمتعت جدا بقراءة المقال شكرا لك.

  3. بارك الله فيك ونفع الله بك وبعلمك الامه والشباب الإسلامي مقال يستحق القراءة وخاصه في ظل الظروف الراهنة ونتمنى منك المزيد

  4. بارك الله فيك يادكتور عبدالهادي نتمنى أن ينشر مثل هذا الكلام الطيب المفيد في جميع الصحف ووسائل التواصل الإجتماعي حتى يستفيد منه الجميع

  5. جزاك الله خير دكتور عبدالهادي مقال بوركت أنامل كاتبه فبنظرة سريعة على ماحدث من ثورات في بعض البلاد لعربية و الدمار الذي اصابهايؤكد اهمية طرحك العقلاني والمستند على الكتاب والسنةفي وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button