الكاتبة / فاطمة بنت عبداللّه
في بداية الأمر وعندما عزمت الحديث عن هذا الموضوع – الذي تكررت الشكوى منه كثيراً أمامي – بدأتُ مسوّدته بأفكار منثورة غير مترابطة الصياغة ظلت حبيسة مكتبي شهر من الزمان متوقفاً فكري عن حُسن صياغته من شدة أهميته لا أعرف من أين أبدأه وكيف انتهيه ، كيف يكون مكرراً ولا يشبه طرحاً سابقاً ، حتى قررتُ أن أُصيغه بنفس الفكرة وذات الهدف ولكن من خلال تجربتي الشخصية ليكون أكثر واقعية .
الحكاية من هنا تبدأ
( مطلوب خريج جديد ، مطلوب خبرة ) هذه المُعضلة التي طالت جيلين فالقديم الذي ينتظر لم يكُن له نصيب والجديد الذي بلا خبرة ما كان له نصيب فيا تُرى من سعيد الحظ ووليد دعوة في ليلة القدر الذي سيحظى بهذه الوظيفة الخارقة ؟!
القدامى – وأنا منهم – يشتكون ، وحديثيّ التخرج يشتكون ؛ الجميع أنهى دراسته وكابد فيها ما كابد وخرج للميدان بأحلام الفراشات التي ستحُط على أزهار حقول العمل الحكومي يُعطيها ويأخذ منها في إطار خدمة الوطن و الاستقلال بالذات .. انتهى الحلم .
حكايتي أنا ..
في ذات شباب وفي عام 2000م تخرجت وظننتُ أن القطاع الحكومي هو خلّي الوفي الذي سأُلقي بكومة أحلامي وطموحاتي على أحد كتفيّه حين يحتضنُني لأتفاجأ بأنه عنقاء المُستحيلات ، ولأني لست من رواد الفشل ولا هواة إلقاء اللوم ولستُ من الشخصيات المتواكلة والتي ترضى بالهزيمة اتجهت فوراً للقطاع الخاص بغير تخصصي – الذي لم يكن لي بُد من دراسته والعمل به في ذلك الوقت – وبغير رغبتي ومخالفة لكل آمالي العملية اتجهت لأي عمل متاح فقط لأصقل شخصيتي واُمرّن نفسي على مزاولة العمل بعيد عن مقاعد الدراسة ، كل ذلك ليغتالني غول القطاع الخاص ويستبيح جهدي وطاقتي ويستنزف قُدراتي ويمُص دم آمالي ، ولأني اعتدت أن ابحث عن الجانب المُشرق لكل وجه ارتحت أني خرجتُ بحصيلة خبرات في مجموعة من التخصصات وكُلّفت بعدة مهام تدرجت فيها من خريّجة بلا خبرة إلى الإدارة المتميزة – بفضل الله – بشهادة القائمين عليّ والجهات المسئولة عن تقييمي ، ثم التحقت بالعديد من الدورات والدبلومات في مجال عملي وغير مجال العمل ليكون لديّ حصيلة من الخبرات والمهارات والدورات المعتمدة محلياً ودولياً بالإضافة للشهادة الجامعية والسيرة المُشرفة – ولله الحمد – ورغم كل ذلك كنت كل عام أُقدّم على الوظيفة الحكومية ولا تراني أو تكون شروط الوظيفة المتاحة لا تنطبق عليّ إما لبُعدها أو نُدرتها لكن أكثر شرط أراه عاماً بعد عام يقتل أحلامي وينحرني هو تحديد العمر في الوظائف المعروضة (من 25- إلى 35 ) أراني اقترب من عمر الإعدام الوظيفي – بلا خطيئة سوى أني اجتهدت – ولم يحن دوري بعد ، و الآن وبعد كل هذا الجُهد وأنا في عمر الأربعين أتنبه إلى أن وظيفتي تاهت بين جيلين وقاربتُ سن التقاعد بلا وظيفة فأغلقتُ الملف الحكومي كما أغلقتُ الملف الخاص قبل سنتين وأخذتُ دورات إضافية تؤهلني للعمل الحر الذي مازلت أُكابد فيه لأنه لا يستهويني ولا استهويه لكن هذا المُتاح بلا شروط إما هو أو أُغلق على نفسي قوقعة الحياة ويقتات فكري الطَموح من صحة جسدي .
كُنت احلم منذُ مراهقتي بالعمل الصحافي فأنا أجد نفسي بين الأوراق والكُتب ومحابر الأقلام لكن مشيئة الله في أقداري ساقتني لاتجاه آخر أبدعت فيه – ولله الحمد – لأن الإنسان الناجح يصنع نفسه أينما وُضع ، والآن وبعد أن بلغتُ من العمر أنضجه قررت أن لا أسير في غير طريقي الذي أرغب – رغم معارضة من حولي لإعتبارات لا داعي لسردها الآن – وأعود لحلمي الصحافي والأدبي حيث أجد نفسي ، رغم ذلك كان هذا عمل إضافي غير مُستقر وبلا مقابل مادّي مثله مثل العمل الحر لكن على الأقل عمل يشبهني وأجد فيه ذاتي .
انتهت حكايتي ..
قصتي هذه تشبه الكثير من القصص عاطل بمؤهلات أو خريج بلا خبرات كلاهما بلا وظيفة
فيا تُرى هل سأستقر في وظيفة بعد هذا العمر، وهذه الرحلة أم ستكون وظيفتي الثابتة هي رابع المستحيلات ؟!
سؤال أطرحه واعلم أن هناك ألوف غيري يودّون طرح السؤال ذاته لكن صدقاً لا اعِد لا نفسي ولا أحداً منهم بالإجابة.
وفي الختام اللا منتهي سأوجه خلاصة الخطاب لمن أعنيه في حديثي ؛
• إلى القطاعين الخاص والحكومي ؛ من الذي استحق وبلا ( جدارة ) وظائفنا هل غريب متبطّر أم قريب بلا مؤهلات ؟!
• إليك أنت أيها الباحث عن عمل ؛ لا تجعل شهادتك الجامعية قيدك في الحياة ولا تجعل من نفسك صورة بلا ألوان في إطارها ، اتبع شغفك ولاتكن غيرك فإن لم تجد المردود المادّي – رغم أهميته – على الأكثر ستجد ذاتك حتى يسوق الله إليك رزقاً هو كاتبه في لوح أقدارك