للإعلام دور كبير في نحت صورة المجتمع في أذهان المتلقين؛ فإما أن يقدم هذا المجتمع بصورة تليق به، وتجبر الآخرين على احترامه، وتقديره، أو يقدم مسخًا لهذا المجتمع يجعل منه أضحوكة للآخرين، ومثارًا لسخريتهم؛ وبالتالي عدم احترامه، وتقديره.
لذا يحرص الإعلام في الدول الواعية على رسم أجمل صورة عن مجتمعه، وتقديم أفراده بأبهى حلة، وأعظم صورة؛ كي ينحت في أذهان المتلقين الصورة النمطية عن هذا المجتمع وكأنه مجتمع مثالي، ويثبت أجمل صورة عن أفراده، ويجبرك على احترامهم، وتقديرهم.
أما في الدول غير الواعية فإن الإعلام يقدم مسخًا للمجتمع، ويشوه صورته في أذهان المتلقين؛ وبالتالي تنطبع الصورة الذهنية عندهم عن هذا المجتمع بأنه فاشل، ومتخلف.
ولو أخذنا جزءًا يسيرًا مما يقدم في الإعلام على سبيل المثال “المسلسلات” التي – كما يدعي القائمون عليها- بأنها تصور واقع المجتمع- وهذا كذب ومحض افتراء، ولنا وقفة معه- وعقدنا مقارنة بين نوعين منها؛ لنعلم من الإعلام الواعي من غيره.
خذ على سبيل المثال صورة الرجل التي ترسمها هذه المسلسلات؛ تجد الفرق الشاسع بين ما تقدمه المسلسلات التركية، واللبنانية، وما تقدمه المسلسلات الخليجية، واحكم بنفسك أي إعلام يبني، وأي إعلام يهدم..!!!
فكيف رسمت هذه المسلسلات الصورة النمطية للرجل التركي، واللبناني؟!!، وكيف قدمت مسلسلات الخليج الرجل الخليجي؟!!، وكيف قدمت البيت في كل بلد؟!!
باختصار شديد أصبحت صورة الرجل التركي في أذهان الكثيرين؛ بأنه رجل قوي الشكيمة، شجاع، لايهاب الموت، لا يدخل معركة إلا ويكسبها، محارب من الطراز الأول، همه إعادة أمجاد أسلافه، مترفع عن صغائر الأمور، له أهداف كل همه تحقيقها.
أما اللبناني؛ فهو الطيب، الحنون، المحب، مرهف الحس، صاحب الذوق الرفيع، كل همه بيته وأسرته، ينشر المرح والفرح أينما حل، وكأنه فارس الأحلام، وطموح أي فتاة تريد الزواج.
وأما الرجل الخليجي فقد شوهت صورته المسلسلات، وقدمته مسخًا لا يمت للواقع بصلة؛ فصوّرته على أنه أناني كل همه ملذاته، ونزواته، غير مبالٍ بشيء سواها، غير مهتم بأسرة أو بيت، لا يعرف واجبًا، ولا يقدّر مسؤولية، ولا يعترف بعادات أو تقاليد، بل لا يعرف دينًا أحيانًا!!
يريدون أن يقدموه منسلخًا من دينه، ومن عاداته، ومن تقاليده، كل همه كيف يحقق نزقه، وطيشه، سكيرًا، نكيرًا، مدمنًا، يبيع كل شيء من أجل جرعة..!!!
أما البيت الخليجي وكيف قدموه؛ فلك أن تتخيل بيتًا يقوم عليه مثل هذا المسخ كيف يكون؟!! حاولوا تقديمه على أنه مفكك، مهلهل، لا روابط تجمع أفراده، ولا أسرة تحويهم، وتضمهم؛ الأب غارق في ملذاته، والأم تتبع نزواتها، وتطارد شهواتها، والبنت لارقيب ولا حسيب تفعل ما تريد، والولد مغلوب على أمره، ليس له كلمة، ولا رأي، مُستغَل من قبل أصدقاء السوء…!!!
فهل هذا هو الرجل الخليجي؟!! وهل هذا هو البيت الخليجي؟!! وهل هذه هي الأسرة الخليجية؟!! لا والله .. كذبوا، وخابوا، وخسروا، ودسوا السم في الدسم؛ حين قالوا: نحن ننتقد العادات السيئة في المجتمع، ونسلط الضوء على بؤر الفساد لنعالجها..!!!
ما يقدموه ليس كذلك، ما يقدموه مسخًا، وتشويهًا للمجتمع، ما يقدموه جريمة يجب أن يحاسبوا عليها، لا أن يحصلوا على مئات الآلاف مكافأة عليها..!! فنحن نُشتَم بأموالنا..!! ويسخر منا ويهزأ بنا بأموالنا..!! ندفع لهم ليشوهونا أمام العالم ..!!!
إلى متى يبقى هذا الوضع؟!! إلى متى ووزارات الإعلام تغط في سبات عميق؟!! إلى أين يريدون أن يصلوا بهذا المجتمع؟!! إلى متى تمارس هذه الجرائم عيانًا بيانًا؟؟!!!
إلى متى والإعلام يقدم “التوافه” على أنهم نجوم المجتمع ويغيب النجوم الحقيقيون؟!!
ومضة .. هذا قليل من كثير، وغيض من فيض، وإلا فالطوام أعم، والفساد أعظم؛ ولكن تنزيهًا لقلمي، واحترامًا لكم، وقبل ذلك تكريمًا للشهر الفضيل..لم أُفصّل أكثر بما يقدمون..!!!
رسالة لكل مسؤول عن الإعلام .. ستقف أمام الله حافيًا عاريًا، وسيسألك عن كل ما يقدم، وعن كل شخص انحرف بسببه، وعن كل مال صرف على هذه الجرائم، وعن كل أسرة تفككت بسبب هؤلاء..فأعدّ جوابًا لذلك..واتق الله فيما وليت عليه.
“ألا كلُّكم راعٍ، و كلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه … “