المقالاتد. خالد محمد باطرفي

السعودية والإمارات: لماذا، كيف وإلى أين؟!

أول زيارة قمت بها للإمارات كانت في بداية التسعينيات الميلادية للمشاركة في دورة تدريبية ينظمها البنك الأهلي السعودي في فندق بجبل علي. نزلت مع الوفد المرافق في مطار دبي القديم، الذي كانت تهبط فيه الطائرات الخاصة، وبذلك لم أحظ بالتعرف على المطار الجديد الذي اشتهر وقتها بمنطقة التسوق الحرة فيه.

الطريق إلى جبل علي مر بالشارقة، حيث استضافنا رجل أعمال بمنزله على مأدبة غداء، ورجعنا في نفس الليلة لرحلة العودة إلى جدة، مرورًا بالرياض. وهكذا لم تتح لي زيارة مدينة دبي، وتأجلت الفرصة حتى بعد عودتي من الدراسة في الولايات المتحدة، وتحديدًا في العام ٢٠٠٠م.

خلال عشر سنوات، قفزت التنمية في الإمارات قفزات هائلة، وتابعت أثناء الدراسة الاهتمام العالمي بفرص الاستثمار والعمل والسياحة في البلد الشقيق. وعندما زرتها في المرة الثانية حرصت على زيارة مطارها ومينائها وأسواقها ومنتجعاتها وأبراجها.

تواصلت المتابعة عن بعد، وتكررت الزيارات، وأكثرها لحضور مؤتمرات ومعارض دولية، بمعدل زيارة كل ثلاث سنوات، كانت آخرها إلى أبو ظبي قبل عام. وفي كل مرة كانت المفاجأة تزداد إشراقًا وتشويقًا. فمدن الإمارات كحوريات الخليج يكبرن كل يوم، وينضجن كل صباح، ويتجملن كل مساء. وكان لدي شعور دائم بأن الأجمل لم يأتِ بعد. وأن لا نهاية لأحلام الإماراتيين وطموحهم. فبلادهم ورشة عمل لانهائية، تجمع خيرة المبدعين والمفكرين والحالمين. وهم، إن كانوا يسيرون على خطة ويعملون على مشروع واضح الأهداف والمعالم، إلا أنها رؤية ذات سماوات مفتوحة، حرة، تتوقع أن ترى فيها شهبًا وكواكبًا لم يحسب لها حسابًا في أي حين.

تساءلت كثيرًا كغيري، لماذا لا يكون لنا رؤية كهذه ومشروعًا كهذا، ونحن نملك الامتداد الأكبر والإمكانيات الأعظم؟ ما الذي يحول دون فتح مجالات الاستثمار على مصراعيها، بدون قيود تنظيمية، وتعقيدات مالية، وتهيب غير مبرر من طموحات المستثمر المحلي والدولي؟ وماذا يمنع من التعاون مع الناجحين، كالإمارات، لتبادل الخبرات وتكامل المشاريع، وتعاون المخططين والمنفذين؟

لعله زمن تحقيق الأماني، فخلال ثلاث سنوات فقط، استطاع أميرنا الشاب، محمد بن سلمان، بالتعاون مع ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، أن يركز برؤيته الطموحة، ٢٠٣٠ على التعاون الإقليمي والدولي، وأن يضع الإمارات الشقيقة على رأس قائمة الدول الحليفة والشريكة، لتحقيق الحلم الكبير للسعودية الجديدة.

بدأ العمل على هذا التحالف الاستراتيجي قبل ثلاث سنوات، وشارك فيه عشرات الوزراء والمسؤولين والخبراء، وعقدت مئات الاجتماعات واللقاءات وورش العمل، مع قليل من التغطية الإعلامية. كانت الأهداف واضحة، ولكن الآليات كثيرة ومعقدة، والطموحات كبيرة ومتشعبة. ذلك أن التوجيهات تصر على أن يكون العمل متقنًا وشاملًا ومتكاملًا .. وهكذا كان.

واليوم نجني ثمار هذا الجهد الشاق والإنجاز الكبير، حلفًا استراتيجيًا، ومجلسًا تنسيقيًا أعلى يترأسه ولي عهد المملكة وولي عهد أبو ظبي، ويضم ١٦ وزيرًا، وآلية عمل تفصيلية ودقيقة لخمس سنوات تشمل وسائل علمية لمراقبة وقياس الأداء، برؤية مستقبلية شاملة ومتكاملة، وأهداف ومهام لخصت في عشرين اتفاقية. وعلى أرض الواقع أعلن عن أربعة وأربعين مشروعًا استثماريًا تنفذ خلال ستين شهرًا. كما فتحت الأبواب والنوافذ أمام القطاعين الخاص والعام في البلدين لمواصلة المسيرة وتنفيذ الاتفاقيات وتحقيق المزيد من الإنجازات.

المجالات واسعة وعريضة، غطت كل أنماط الحياة والنماء والعمل. فمن التعاون والتنسيق السياسي والعسكري والأمني والإداري، إلى كافة مشاريع التنمية والبناء، التعليم والتقنية، التجارة والاستثمار، الصناعة والزراعة، النفط والطاقة، الفضاء والذرة. هذه الشمولية، وهذه الضخامة لم تشهدها أي اتفاقيات عقدتها المملكة مع كبرى دول العالم. ولعل أهم الفروقات أننا أمام مشروع تكاملي شامل بين بلدين جارين شقيقين، تربطهما وشائج القربى ويجمعهما التاريخ والجغرافيا. وأن السعودية والإمارات اليوم هما أكبر اقتصادين في العالم العربي، يصل مجموع دخلهما القومي إلى ترليون دولار. وأن حضورهما الدولي السياسي والنفطي والتجاري والعسكري والأمني المشترك بات ملموسًا ومشهودًا في عواصم العالم، من بكين وطوكيو وموسكو، إلى واشنطن ولندن وباريس.

التعاون، بين البلدين الكبيرين ليست جديدًا، فهما من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي، وقوات درع الجزيرة، والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والتحالف الدولي لمواجهة داعش. كما أن مواقفهما الدبلوماسية والسياسية والمالية الدولية متناسقة لحد التطابق في جميع القضايا العربية والكونية. ففي منظمة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومنظمة عدم الانحياز، ومنظمة التجارة العالمية، طالما توافقت المواقف والرؤى، وأثرت على التوجهات والقرارات والتحالفات.

وفي القضايا العربية، من القضية الأم، القدس، إلى مواجهة إيران، وتدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى الموقف من العبث القطري بأمن المنطقة والأمة، إلى دعم الشرعية في ليبيا، والوحدة في المغرب، والأمن في مصر، تقف الدولتان على قلب رجل واحد لمواجهة الفوضى والمخططات التخريبية لقوى الشر الثلاثية: إيران وقطر والإخوان المسلمين.

أما في الحرب على الإرهاب، فالبلدان يحملان ذات الهم، ويعملان على نفس المشروع الأممي لمحاربة التطرف والطائفية والمنظمات الإرهابية وكشف من يدعمها. كما تتعاونان في مجالات موازية ضد عمليات تمويل الإرهاب وغسيل الأموال وتأجيج الفتن والتحريض على العنف. وهما من أكبر الداعمين للمراكز والموتمرات والجهود المشتركة مع المنظمات الدولية والدول الحليفة لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يتهدد العالم كله.

كل هذا ليس جديدًا، ولكن الجديد هو تأطير وتأسيس هذا التعاون، في مجلس تنسيقي أعلى، ووضع الآليات الكفيلة بتنظيم العمل المشترك وضمان موائمتها مع أنظمة واتفاقات وبرامج المجالس والمنظمات الأقليمية والدولية، وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي. كما يضع المجلس الجديد خطة طريق طويلة المدى عريضة المساحة عميقة الأساس لمستقبل العلاقات بين البلدين الشقيقين.

السعودية والإمارات اليوم تقدمان أنموذجًا يحتذى للعمل العربي المشترك، فتحية لكل من شارك وساهم في إنجاحه، تحت قيادة وتوجيه الملك سلمان بن عبدالعزيز والشيخ خليفة بن زايد، وإدارة وإشراف الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد. ودعاء بالتوفيق والنجاح من قلب كل عربي، وخليجي، إماراتي وسعودي. والله الموفق والمعين.

—————-

للتواصل مع الكاتب:

أيميل: kbatarfi@gmail.com

تويتر: @kbatarfi

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button