المقالات

صفقة مع ملحد

صديقي الملحد
تحية طيبة..وبعد

لن أخوض معك في تفاصيل كثيرة فأنا أعلم جيدًا أن في رأسك الكثير والكثير منها، ولن أتطرق إلى الصراع النفسي والقلق الفكري الذي ينتابك منذ اللحظة الأولى لاتخاذك قرارًا بهذه الخطورة وولوجك إلى عالم العدمية، وهل كل ذلك سبب أم نتيجة لما أنت عليه ؟ أقصد حالة الصراع طبعًا باعتباره أحد أبرز تجليات الظاهرة الإلحادية ومظاهرها على الصعيدين النفسي والاجتماعي، بل سأدلف مباشرة إلى صلب الموضوع (الصفقة)، وهي تقوم على فكرة غاية في البساطة والعقلانية، وهو ما يميز نمط تفكيرك وطرائق البحث لديك؛ لذا أتوقع أن تجد الفكرة قبولًا في حال تجردت من الأحكام المسبقة، وتعاملت معها بعقل مفتوح ينشد الحق وروح تهفو إلى السلام ولعل لك في فولتير إمام الملحدين في عصره وأحد الآباء الروحيين لأجيال منهم قدوة، وكيف تعامل مع الدين في أواخر حياته بمنطقية وحيادية عالية؛ حيث قام ببناء كنيسة نقش على مدخلها (يارب اذكر عبدك فولتير) وهذا ما أتمناه لك مع هذه المحاولة زاعمًا أنها ستعيد لك توازنك العقلي والنفسي والروحي مخرجة إياك من الاضطراب والتيه والرفض المطلق لكل ماهو ديني لمجرد الرفض والخوف من حدوث اختراقات للجدار العازل الذي أسست له، وزرعته بين عقلك وروحك.
عبر التاريخ وفي كل العصور يحظى الزعماء والقادة والمفكرون بقدرٍ كبير من الاحترام والتقدير يصل حدّ التقديس بعض الأحيان، وهو ما يميزك أنت أيضًا في تقديس رموز الحالة التي تنتمي إليها، وهي حالة تبدو طبيعية ومنطقية ومتوقعة لإضفاء المزيد من الهالة على عقولنا نحن حين اختارت هذه الأفكار دون غيرها، فكأنما نقدس ذواتنا وعقولنا من خلال تقديسنا لأولئك الرموز.

وعليه ماذا لو قلت لك إن رجلًا عاش قبل ما يقارب الألف عام اسمه “محمد” جاء بمجموعة من الأفكار والمثل والقيم والأخلاق أسست لأكبر تجمع بشري غيّر مجرى التاريخ، وقلب موازين الأمور وحفر عميقًا في وجدان وذاكرة أتباعه منذ ذلك التاريخ، وإلى يومنا هذا لعلك سمعت به من قبل، وهنا تبدو الفكرة (الصفقة) آخذة بالتجلي والوضوح؛ حيث تقوم وبكل بساطة على أن تتعامل مع هذا الرجل تمامًا كما تتعامل مع بقية الرموز التي أثّرت في حركة الفكر عبر الزمن بعيدًا عن فكرة النبوة والرسالة التي هي جوهر حقيقته وسر بقاء فكرته وديمومتها، أريدك أن تنحّي كل ذلك جانبًا وتضمه إلى قائمتك البشرية البحتة من أمثال ماركس ولينين وإنجلز وفرويد، وغيرهم من دهاقنة الفكر ومرجعياته دع عنك الغيب والماورائيات والمآل وكل ما هناك، ممّا هو في نظرك مجرد أوهام وترهات دع كل ذلك جانبًا ولا تلق له بالًا.

خذ عن “محمد” أخلاقه قيمه، صبره، عدله، حب الخير للآخرين باختصار منظومة الأخلاق، والقيم التي كرّس حياته في سبيلها، وعمل بكل جد وصبر ومثابرة لزرعها في نفوس أتباعه، خذ عنه السمو الروحي وتساميه عن النزعات البشرية من أحقاد وانتقام وضغينة.
ألست تمجد العدل والمساواة دونك “محمد” فقد جعل من بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي أندادًا لكبار قرنائهم من وجهاء العرب وأسياد قريش في حالة إنسانية فريدة قلّ أن تتكرر، ولاشك أنك تحارب الفساد والمفسدين وسلوك السبل غير الأخلاقية للإثراء غير المشروع والتكسب على حساب الآخرين وكذاك كان “محمد” فهو الذي أسس لمبدأ (من أين لك هذا) والذي أصبح دستورًا لكثير من الأنظمة العادلة في زماننا وعبر التاريخ، هل أنت مع المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات، وعدم التفريق بين المواطنين وأن الجميع تحت طائلة القانون فهذا “محمد” يقول: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!) هل تريد من المسؤول أن يكون واحدًا من الناس يشعر بما يشعرون ويعاني كما يعانون ؟ عندها لن تجد ك”محمد” فقد كان يربط الحجر والحجرين على بطنه من شدة الجوع وتقول زوجته: لقد كان يمر ثلاثة أهلّة لا يوقد في بيته النار هل تعلم يا صديقي أنه مات ودرعه مرهون عند يهودي في صاع بُر!

هل تُصدق أنه قام لجنازة يهودي وقد مرّت به إجلالًا لكونها نفس بشرية !
بل فعل ماهو أعظم من ذلك في زيارته لطفل يهودي في حالة احتضار.
ولا بد أنك تناضل في سبيل حصول المرأة على حقوقها والدفاع عنها باعتبارها كائنًا كامل الأهلية ورفع الظلم الذي وقع عليها في بعض المجتمعات المتخلفة والجاهلة عندها لن تجد أعمق من قول “محمد”: (النساء شقائق الرجال).
وعلى الرغم من كونه أمّيًا لا يقرأ ولا يكتب، فقد عُني بالعلم وحث عليه وقدّر العلماء، ومنحهم المكانة اللائقة بهم حيث قال: طَلَبُ الْعِلْـمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وقال مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْـمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْـجَنَّةِ، بل جعل العلماء ورثة الأنبياء، ممّا جعل من هذا الأمي موضع درس كبار العلماء الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في شتّى التخصصات.
وغير ذلك الكثير والكثير في شخصية “محمد” لولا خوف الإطالة والسأم.

وختامًا

آمل أن تجد الفكرة (الصفقة) مساحة من التفكير لديك وحينها ستتغير نظرتك للرجل الذي غيّر وجه التاريخ، وأعدك بموجب هذه الصفقة أن ألتزم أنا أيضًا بالشيء ذاته من توقير رموزك واحترامهم عملًا بوصية “محمد” الذي أخبرتك عنه فهو القائل الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها.
تقبل تحياتي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button