أحمد حلبي

كُل ما تشتهي يا معالي الوزير

كل ما تشتهي والبس ما يشتهي الناس” تذكرت هذه المقولة لعمرو بن العلاء المتوفي عام 154هـ، وأنا أقرأ تصريح معالي وزير الحج والعمرة الدكتور محمد صالح بن طاهر بنتن، الذي أشار فيه إلى اعتزام الوزارة تطبيق برنامج الوجبات المعقمة الجاهزة هذا العام على نسبة 15% من الحجاج القادمين من خارج المملكة، فوقفت مستغربًا ومتسائلًا كيف يمكن لوزارة الحج والعمرة وهي جهة حكومية حدد دورها ومهامها في الإشراف والمتابعة على الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام وتطويرها، أن تسعى للعمل على فرض وجبات غذائية ذات مواصفات محددة على حجاج الخارج بدعوى أنها نوع من برامجها التطويرية، وتطالبهم بتناولها حتى وإن كانوا لا يستسيغونها.

وقد يكون وجه الاستغراب أن الوزارة اعتمدت وضع البرنامج موضع التنفيذ بقوة السلطة، دون عقد ورشة عمل أو اجتماع مع رؤساء مؤسسات الطوافة وممثلي الحجاج تشرح فيه برنامجها ومبررات تنفيذه؛ وكأن الأمر لا يعنيهم، لكنها تجاهلت كل الآراء واعتمدت على رأيها الأوحد !
وإن كانت الوزارة مصرة على تطبيق البرنامج بنسبة 15%، فعليها العمل على وضع برنامج لمعرفة رضا المستفيدين منه لرفع النسبة للأعلى في السنوات القادمة، غير أنه من الصعب تنفيذ برنامج معرفة رضا العميل، باعتبار أن برنامج الوجبات المعقمة الجاهزة سينفذ على الحجاج القادمين من الخارج، والكل يدرك أن هؤلاء الحجاج معظمهم من كبار السن وسكان القرى والأرياف ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية مختلفة، ويصعب تقييم تجربة التغذية من قبلهم.

غير أنه يمكن تقييم نتائج البرنامج بشكل جيد من خلال ضيوف الوزارة القادمين من خارج المملكة باعتبار أنهم من المميزين في الثقافة والعلم والمعرفة ومن شرائح ثقافية واجتماعية راقية، إضافة إلى العاملين بالوزارة في المراكز الخارجية على الطرق المؤدية لمكة المكرمة، ومنسوبي أفرع الوزارة المرابطين بمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، على أن يتم إلغاء البوفيه المفتوح صباحًا، وجبات الرز واللحم والمكرونة، الإستاكوزا للغداء والعشاء، ليكون التقييم صحيحًا ومبنيًا على أسس سليمة.
أما أن يترك أمر التقييم للحجاج فهذا أمر صعب، فجل الحجاج سيعودون إلى أوطانهم بعد أدائهم للفريضة، ويصعب التواصل معهم لمعرفة انطباعهم.

أما من الناحية العملية فلا أعتقد أن الحجاج سيتقبلون هذه الوجبات خاصة، وأنه ثبت فشلها حينما نفذت فكرة تطبيقها الحكومة الماليزية عام 1395هـ، ثم أوقفت التنفيذ وألغت الفكرة في العام التالي بعد أن ثبت عدم قبول الحجاج لهذه الوجبات.
فكيف تسعى الوزارة للعمل على تطبيق نظام لتغذية الحجاج، وهي تدرك تمامًا عدم رغبة الكثيرين منهم على تناول أي وجبات غذائية خلاف الوجبات التي اعتادوا عليها ؟
ثم كيف تلغي الوزارة رغبة الحجاج في تناول الوجبات التي تم الاتفاق عليها مسبقًا ودفعوا قيمها ؟

وهل نست الوزارة ما تعرض له حجاج إندونيسيا في موسم حج عام 1427هـ، حينما منع مطوفو جنوب شرق آسيا من تأمين وجبات التغذية لهم، وأسندت العملية لمطبخ مركزي تم التعاقد معه من قبل مكتب شؤون حجاج إندونيسيا ـ بعثة الحج ـ، ولم يثبت قدرته وكانت النتيجة حرمان الحجاج من تناول وجبتهم الغذائية يوم عرفات، مما اضطر الدولة للتدخل السريع بتأمين وجبات جافة للحجاج في ذلك اليوم، ولم يستسيغها الحجاج، ثم ألزم المطوفون بتأمين التغذية ليوم العيد وأيام التشريق بمنى وتم إلغاء عقد المطبخ المركزي.

وإن كان من حق الوزارة مطالبة الجهات الخدمية كمؤسسات الطوافة ومؤسسات وشركات خدمات حجاج الداخل وشركات نقل الحجاج وغيرها بتطوير خدماتها، فإن التطور الحقيقي لا يفرض بالقوة، خاصة حينما يكون مرتبطًا بالتغذية، وعلى الوزارة أن تدرس احتياجات الحجاج ورغباتهم قبل تنفيذ البرنامج، فحجاج جنوب شرق آسيا مثلًا لهم مطالبهم الخاصة في وجباتهم وأبرزها وجود الرز في وجبة الطعام، حتى وإن كانت وجبة إفطار.

في حين نجد أن حجاج جنوب آسيا ينقسمون بين من يفضل تناول الشباتي ومن يفضل تناول الرز صباحًا، أما حجاج تركيا فنرى أنهم يفضلون أن تكون وجبة الإفطار متضمنة الجبن والزيتون والبيض في الصباح مع كأس الشاي.
فهل تنبهت الوزارة لمثل هذه الفروقات ؟
أما ما يتعلق بالوجبات المسبقة الطبخ فلا يمكن الجزم بفوائدها أو أضرارها، فهذا أمر يتعلق بالمتخصصين في مجال التغذية، وإن كان الدكتور غدير الشمري أستاذ التغذية بجامعة الملك سعود، قد أوضح في اتصالي به “عدم وجود أضرار من هذه الوجبات إذا كانت قليلة الملح والكوليسترول والدهون الحيوانية، وإن كانت مستوفية للمتطلبات التغذوية فهي في مأمن من الفساد غالبًا، ولكن لا يفضل أن تستخدم لفترة طويلة بسبب عدم وجود الخضار والفواكه مصدر الفيتامينات والمعادن”.
وعلينا أن ندرك بأن الدور الذي تقوم به الدولة هو راحة وطمأنينة الحجيج ولم تعتمد ـ رعاها الله ـ منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ, وحرصها على تنفيذ أي عمل يخدم ضيوف الرحمن، وإبعاد كل ما يتعارض مع رغبات قاصدي البيت الحرام وزوار مسجد رسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من معتمرين وحجاج وزوار، فكيف تسعى الوزارة لفرض وجبات طعام بالقوة على الحجاج ؟

Related Articles

4 Comments

  1. للاسف وزارة الحج الان تطبق اسلوب لاريكم الا ماارى حتى في خصوصيات الحجاج
    الله المستعان

  2. ياابوصالح وزارة غريبه تضرب بالقرارات السامية عرض الحائط ولايهمها اي شي كما حدث لقرار 81
    وهاهي اليوم تخالف تصريح مسنشار خادم الحرمين الشريفين وامير مكه صاحب السمو الامير خالد الفيصل عندما قال ان الحج عبادة وليس سياحه

    ??????

    سبق| “الحج” تبرم عقداً لإنشاء جهة متخصصة لتأهيل العاملين في المجال
    https://sabq.org/3ZxHfV

    فالسؤال هل هي فعلا لاتعمل حساب لاحد؟؟؟؟

  3. صبراً جميلاً والله المستعان
    جزا الله الكاتب خير الجزاء
    مقال رائع جداً وموثق بتجارب وخبرات سابقة من مطوف ابن مطوف
    اين دور موسسات الطوافة ورؤسائها الكرام من قرارات معالي الوزير ومناقشتها معه باعتبارهم من يمثل المكاتب والمطوفين الذين يعملون في الميدان ويتكون المواجهة المباشرة مع الحجاج وتحمل السب و الضجر من حجاج بيت الله الحرام الذين دفعوا الغالي والنفيس للحصول على خدمات مقابل ما دفعوه من اجور خاصة للخدمات الاضافية التي تعاقدت معها الموسسات والبعثات وتبعات اخطاء وسوء المواصفات للتعاقد مع من ليس لديهم ادنى خبرات ولا يعرفون الف باء الطبخ والطعام
    وسبق ان حدث اضراب في احد المواسم السابقة من قبل حجاج احد اليعثات وتم التعدي على المطوفين المتواجدين بمشعر منى والرئيس والنائب والسب سوء جودة واعداد الوجبات
    وما يزيد في القهر والحرقة ان تتطلب الموسسة والبعثة بعدم ذكر اي خبر وعدم الافصاح عن ان البعثة او الموسسه هي السبب
    يعني يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار

  4. اخي الفاضل الصحفي احمد حلبي
    فى حج عام ١٤٣٨ الزم بعض مكاتب الخدمه الميدانية بتقديم الوجبه مسبقة التحضير
    وعام ١٤٣٩ الزم عدد من مكاتب الخدمه.
    وفى كلا العامين واجهنا رفض الحجاج لهذه الوجبه (الأحداث مسجله وموثقه)
    وقد امر مقام إمارة مكه المكرمة بتنفيذ رغبة الحاج.
    ولكن للأسف الشديد وزارة الحج والعمره مصره على وجبات مسبقة الطهي………
    لماذا يا ترى……..؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button