رب ضارة نافعة، مثل يضرب لمن ظن أنه إذا استغنى عن شيء فسيحل عليه الخراب إلا أن العكس هو ما يحدث بأن تتفتح له الطرق وتتعدد المسارات، وينظر بعيونٍ شاملة بعدما كان لا يرى إلا من ثقب ضيق الأفق.. قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، (البقرة: ٢١٦).
هذا الحال ينطبق على نادي الفتح بطل دوري زين عام ٢٠١٣م، والذي حقق المستحيل بل المعجزة بإمكانيات متواضعة فنيًا وماديًا ولكن بإصرار وتكاتف أبناء النادي ووقوف جمهور واحة النخيل الأحساء خلف هذا الكيان الذي أصبح وبفخر يسري في دم كل الأحسائيين، الكيان الفتحاوي تعرض لنكسات بعد إنجاز دوري زين وكأس المؤسس، كاد معها النموذجي أن يهبط لدوري المظاليم لولا لطف الله، وهنا ظهر في الفتح الرجال الأشداء الذين يقفون معه في السراء والضراء وظهر على الجانب الآخر أصحاب المصالح، ومن كانوا مع النموذجي فقط وقت الفرح ووقت الرخاء وحضور السيولة المادية، فعندما تعرض النادي كسائر أندية المملكة كبيرها قبل صغيرها للمعاناة المادية انهزم فريق من الإداريين أصحاب المصالح دفعة واحدة، وظنوا أن رجل المهمات الصعبة رئيس النادي المهندس سعد العفالق سينهزم هو أيضًا، ويترك النموذجي الذي سرى بدمه وعقله بل أصبح جزءًا لايتجزأ من حياته، في بداية الأمر نزل خبر الاستقالة الجماعية كصاعقة في المجتمع الرياضي بالمملكة بشكلٍ عام، وبالأحساء بشكل خاص لا لأهمية الاشخاص، بل لغرابة تصرفهم فالجميع يعلم أن لنادي الفتح الفضل الكبير في بروزهم في الساحة الرياضية وهم لا ذكر لهم، أيضًا لما عرف عن الفتح من تجانس وتناسق إداري يقوده رؤساء يخدمون النادي، ومن خلفهم أعضاء مجلس الإدارة ودينمو النادي الأمين العام الأستاذ أحمد العيسى الذي يعمل بصمت ودون أي ظهور إعلامي كمن يوصل رسالة للجميع مفادها دع عملك يتحدث عنك، سعد تقبل الصدمة، كان هادئًا كعادته، وكان الشامتون كثر والمتربصون بما سيعمل بهذا الموقف أكثر لكنهم تناسوا أن لدى هذا الرجل من الحكمة وحسن التصرف ما يكفي لإنقاذ نفسه وناديه من مثل هذه المواقف؛ حيث جاء خبر تجديد الثقة لتوليه منصب رئيس النادي كمفاجأة لأصحاب المصالح ولسان حالهم يقول: (ياليت اللي جرى ما كان) فراح المتربصون من قوة الخبر يتحدثون مع أنفسهم، فلم يعيرهم سعد اهتمامًا لأنه يعلم أن الأحساء والفتح مليئان بالكوادر والخامات، بل والقامات الرياضية ذات الخبرات المتخصصة، والتي تستطيع أن تقوم بدور فاعل في خدمة النموذجي، وتقود دفته بثوبه الجديد فتم تعيين مديرًا للكرة للفريق الأول كذلك مديرًا للمركز الإعلامي وقريبًا مديرًا للاحتراف، يومًا فيوم يستعيد النموذجي عافيته بتعاقدات محلية وأجنبية ليعود كما كان وأفضل، فقد ظن هؤلاء أنه (لايوجد في البلد غير هذا الولد) لم يجيدوا الرياضيات فأخطأوا الحسابات، وتناسوا أن الأحساء غنية بمقدراتها البشرية والمادية التي يتمنى الجميع تسخيرها في خدمة النموذجي الذي أصبح رمز الأحساء الأول وممثلها في دوري المحترفين، سعد استحق أن يكون رجلًا نموذجيًا شجاعًا، فبرغم من صعوبة المهمة إلا أنه انتشله من أحلك الظروف التي تعصف به بفضل حبه لهذا الكيان فقد أكرمه الله بأن خلصه من سرطان مستشري في نادي الفتح لسنوات لم يظهر إلا عندما جرت الرياح بما لا تشتهي سفنهم، ومن حسن حظ سعد أن هذا السرطان استأصل نفسه بنفسه، النموذجي مقبل على مرحلة تحدٍ جديدة، وتغيير جلد كان جاثمًا لسنوات على قلب هذا الكيان العريق، فقد وسع سعد أفق الرؤية واستنار الطريق، وعرف أن أحساء النموذجي غنية بالرجال الأكفاء فقط تريد من يلتفت لها ويمنحها الفرصة، وكان له ما أراد فأبناء الأحساء مستبشرون خير، وينتظرون فتح ٢٠١٣ أن يعود لتعود الأمجاد على يد الربان سعد الذي اكتشف نفسه واكتشف النموذجي الجديد معه، فرب ضارة نافعة وما أجملها من ضارة!
أستاذ الإدارة الرياضية المساعد بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام
@Aziz Al Salman