رغم ما نشهده في المملكة العربية السعودية من تغيرات على جميع الأصعدة لدرجة أنه لو عاد مواطن سعودي للمملكة بعد غياب دام لمدة خمس سنوات متواصلة؛ لأستغربها واستغرب ما حصل فيها من تغيير على مستوى البنية التحتية وعلى المستوى الثقافي، والمستوى المعيشي، وقد تصل درجة استغرابه إلى أن يتوه في خضم ما يجد.
إلا أنه لا يزال هناك شيء عالق يجعلنا نقول أن التغيير لم ينل كل شيء، فهو لم ينل السلوكيات المسيطرة على الشعب والتي قد تبدو في ظاهرها أمرًا عاديًا وطبيعيًا، ولكنها في الحقيقة عدم التزام بآداب وذوقيات معينة.
ويتضح ذلك في استخدامنا للمصعد، ولنأخذ مثالًا على ذلك استخدامنا للمصعد في المستشفيات أثناء أوقات زيارة المرضى. وأقول المستشفيات لأنه أتيحت لي فرصة على مدى طويل لتأمل الزوار الوافدين وحتى العاملين في المستشفى أثناء استخدامهم للمصعد. فهو ثقافة مختلفة ومتنوعة. ففي كل مرة أذهب فيها إلى المستشفى وأستخدم المصعد صعودًا أو نزولاً أتأمل الزوار وهم يستخدمونه ويشغلني عدة أسئلة وليس سؤال واحد:
لماذا هذه العداوة في استخدام المصعد؟
لماذا تخلو سلوكيات الأفراد عند ركوب المصعد من الذوق العام؟
لماذا يكتظ الناس منتظرين عند باب المصعد وكأنه مرمى يتم حراسته؟ مع أنه من الآداب أن تقف على يمين المصعد، وليس أمام الباب لتعطي مجالًا لمن بالداخل للخروج أولًا.
لماذا يتدافع الناس في الدخول إلى المصعد رغم أنه لا يوجد ذلك الازدحام الذي يتوجب التدافع؟ فلو انتظروا على يمين المصعد إلى أن يخرج من بالداخل ودخلو واحدًا تلو الآخر حسب قربهم للمصعد لما كان هناك داع للتدافع.
لماذا يُسأ استخدام مفتاح الصعود أو النزول وكأن هناك عداوة بين المواطن والمفتاح؟ وكان الأفضل أن يضغط على المفتاح مرة واحدة فقط فهو مصعد إليكتروني وليس يدويًا.
لماذا لا زالت ثقافة ركوب المصعد أن النساء في الخلف والرجال في الأمام؟ والصحيح أن الأولوية في الصعود لمن بجانب الباب يدخل أولاً سواء كان رجلًا أو امرأة فإن دخل الرجل أولًا فيضغط مفتاح الدور الذي يرغب ثم يدخل إلى آخر المصعد وهكذا لباقي الركاب بغض النظر رجل أو امرأة.
لماذا يظل الرجل بجانب لوحة المفاتيح الخاصة بالمصعد ويسأل كل من دخل المصعد: (أي دور؟) ليضغط المفتاح الذي في لوحة المفاتيح التي يحرسها هو وكأنها أحد أبنائه؟ والصحيح أن تضغط الدور الذي أنت متجه له وتترك المكان وشأنه دون حراسة فمن سيدخل بعدك سيستخدم يديه في ضغط مفتاح الدور الذي يرغب ويترك المكان لمن بعده أيضًا.
لماذا يتكاسل الناس وينسون أن أهم قاعدة لركوب المصاعد هي أن الأولوية لاستخدام الدرج. فلا يوجد داع للمزاحمة وإضاعة وقت غيرك وأنت تريد النزول في طابق قريب.
هي قواعد بسيطة ولو أن المستشفيات والجهات الأخرى، تعرض بجانب المصاعد في شاشة صغيرة بحجم الأيباد إرشادات مصورة عن الطريقة المثلى لاستخدام المصاعد لساعدوا في تعديل ثقافة ونشر ثقافة جديدة.
فالالتزام بالآداب العامة يساهم في رقي الشعوب فأدآب ركوب المصعد بسيطة غير معقدة وغير مكلفة بالنسبة للمواطن، ولكنها ستعطي انطباعًا عظيمًا على رقيه وثقافته. هي أنظمة وقواعد الالتزام بها من خلال الممارسة سيحولها إلى سلوك وبالتالي إلى ثقافة.