روى الشيخ عبدالله بلخير، أول وزير إعلام، ومسؤول الرصد الإذاعي في عهد الملك عبد العزيز، قصة في مذكراته (عبدالله بلخير يتذكر) الذي سجلتها له في كتاب، تلخص العقد الاجتماعي بين الراعي والرعية في هذه البلاد المباركة. فذات مرة كان موكب الملك عبد العزيز متجهًا إلى الطائف، قادمًا من عاصمة ملكه الرياض، في أربعينيات القرن الماضي، لقضاء أشهر الصيف كعادته في العاصمة الصيفية. وتوقف الموكب على الطريق لأخذ قسط من الراحة وللقاء الملك بشيوخ القبائل ووجهاء المنطقة.
وفي خيمة الإذاعة جلس الشاب عبدالله بلخير مع زملائه يستمعون إلى إذاعات العالم ليسجلوا أخبارها. وكانت مهمته بعد أن عاد من بعثته الحكومية إلى الجامعة الأمريكية ببيروت، رصد وترجمة أخبار الإذاعات الإنجليزية. وإذا بشاب بدوي يقف على مقربة من الخيمة، ويناظر من فيها بشيء من التردد. دعوه للدخول وأكرموا وفادته، حتى اطمأن إليهم. ثم سألوه: هل تحب ابن سعود؟ قال والله لا أكرهه ولا أحبه. قالوا كيف؟ قال: لا أكرهه لأنه أمن البلاد والعباد. ولولا الله ثم هو لم وصلت إليكم سالمًا، من ديرة بعيد عبر البراري والخبوت. قالوا إذن لماذا لاتحبه وقد أمنك؟ أجاب بصراحة البدوي: لأنني لولا هيبته لغزوتكم وأخذت حلالكم ومالكم!
في صباح اليوم التالي، يقول الشيخ عبدالله، جلست بين الملك كعادتي صبحًا وظهرًا وعصرًا، لأقرأ عليه الأخبار. وبعد أن فرغت نظر إلي بفراسة العرب وقال: ماعندك بعد؟ رويت له القصة، فدمعت عيناه، ووجهني لأرويها لحضور مجلسه. ثم قال: والله لو لم أقابل ربي إلا بشهادة هذا البدوي لكفتني.
درجة اهتمام المواطن السعودي بكل ما يتصل بالأمن العام ومشاعرهم الجياشة تجاه ضحايا الاٍرهاب من صقور سلمان وتعاطفهم مع عيوننا الساهرة، يظهر مدى تقدير الناس بجميع طبقاتهم لقادة الأمن ورجالاته في بلادنا. فالصغير قبل الكبير يدرك أن سفينة المملكة منذ توحيد البلاد وجمعها تحت لواء التوحيد، تتميز بأمنها وأمانها. فالحاج الذي كان لايأمن على حياته وماله في طريقه لأداء الفريضة، إلا إذا التحق بقوافل عسكرية كالمحمل المصري والمحمل الشامي، أو دفع الإتاوات لكل قاطع طريق، بات آمنًا حتى ولو كان وحيدًا. ومثله أمن كل مقيم ومسافر. فقد كان قطاع الطرق يعلمون يقينًا أنه لو ذبح شاة ضلت الطريق فلن ينجو من العقاب، وكانوا يرددون (في الجو برقية وفي البر دورية .. وين نروح من ابن سعود؟!)
وفي العقد الأخير ماجت في بلاد العرب من مشارقها إلى مغاربها ومن شمالها إلى جنوبها أمواج صاخبة وعصفت بها أعصاير مدمرة، فأطاحت بحكوماتها وفرقت جمعها وأضاعت أمنها وأمانها. فلم يعد الإنسان يأمن على روحه وماله وعرضه، حتى لو ألتزم بيته أو مسجده. وبقيت بلادنا، ولله الحمد والمنة، واحة أمان وسكينة، رخاء وعطاء، تمضي سفينتها في البحار المائجة على طريقة النماء، تحمي أهلها، وتؤمن ضيفها، وتساعد غيرها، وتلجأ المستجير.
اللهم احفظ ولاة أمرنا، ووفقهم وأعنهم وأصلحهم وأصلح بهم. اللهم وبارك في رجال أمننا واحمهم ودافع عنهم وأجزهم عنا خير الجزاء. اللهم ولا تسلط علينا بذنوبنا من لايخافك فينا ولا يرحمنا. اللهم ادفع عنا مكرهم وحقدهم وتسلطهم، واصرف عنا شرهم وضلالهم وترويعهم. وآمنا في أوطاننا مجتمعين لا متفرقين، ومعتصمين بحبلك، ومتفقين على ماتحب وترضى، إنك سميع مجيب.