يمثل الشاب الكفيف عبدالله بن محمد مشعل آل دقاس، تجربة غنية وعميقة ومختلفة تضعنا إزاء كفيف أدركت بصيرته ما لم ندركه بأبصارنا، وعبدالله حكاية غنية بالمعاني العظيمة وتجربة ملهمة تجبرنا على أن نقف مبهورين أمام هذا النموذج الذي جعل من إعاقته جسر نجاح وتفوق ومحطات تفاصيلها الكثيرة جعلت منها صالحة أن تؤخذ وتقدم ك(تيد) يتمثله الأبناء.
والملامح الكثيرة في شخصية عبدالله، تجعل منه نموذجاً يحتذى فهو خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والحاصل على المركز الأول بين دفعته في مرحلة البكالوريوس وهو الكفيف الذي حظي بتتويج أمير الرياض ولم يمنعه كف بصره من أن يكون كما يريد؛ فكان تفوقاً لافتاً وصبراً عجيباً ودأباً على بلوغ المرام المتوج بالفكر الجميل والرؤى الناجزة.
وحمل القلم في يمناه والطموح في يسراه حتى تجاوز كل المعوقات والصعوبات، وهو الآن رغم الإعاقة البصرية طالب في مرحلة الماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وحلمه الحصول على الدكتوراة ليكمل مسيرته التي كانت أشبه بالنضال في سبيل بلوغ الغاية.
وُلدَ عبدالله مبصراً واستمر ينعم بهذه النعمة حتى نهاية المرحلة الثانوية وهنا بدأت تتشكل تجربة الظلام أمامه والتي في الغالب تكون أكثر قسوة على النفس البشرية من الشخص المولود كفيفا.
وفي حوار مع صحيفة “مكة” الإلكترونية، قال عبدالله آل دقاس، “حين بدأت عيناي تخونني وبدأ الظلام يحتل الكون أمامي، خالجني شعورٌ قاس فالعينان أعز ما يملك الإنسان وفقدانها مروّع فكيف لك أن تفقد الضوء ونافذتك إلى الدنيا؟”.
وأضاف “مستقبلي وأحلامي في تكملة مسيرتي الدراسية باتت على كف عفريت خصوصاً وأن حلم الجامعة بات اليوم سراباً أو يوشك أن يكون كذلك؛ لكنني تجاسرت وقاومت واقعي بعون الله ثم بما وجدته من والداي من دعم”.
وتابع “كانت الأيام تمر على عجل وأنا رهين المنزل وفي داخلي هاجس لا يهدأ كان يصرخ بي كل يوم مذكراً: هذا لا يليق بمن هم مثلك ممن يملأهم الإصرار ويعتمر جوانحهم الأمل، وكان علي أن أقف وأستجيب لهذه النداءات التي لا تجف”.
رحلة القبول في الجامعة
تقدم عبدالله للجامعة لكنه رفض كونه كفيفاً ومرت على تخرجه خمس سنوات فما كان منه إلا فاجأ والده برغبته في مقابلة وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري،
وهنا يتحدث والده عن تلك اللحظات قائلاً: “فرحتي اليوم بتخرج أبو محمد لا تصفها الحروف ولا تعبر عنها الكلمات، فقبل أربع سنوات قال لي عبدالله يا أبي أريد أن ترافقني لنقابل معالي الوزير كي أكمل دراستي؛ ولم يكن أمامي إلا الموافقة”.
وتابع والد عبدالله، “قلت له : أبشر، وفي داخلي تساؤلات كثيرة، عجزت عن إيجاد إجابة لها لمعرفتي بوضع عبدالله، فالطالب السليم تقابله عقبات وحواجز فما بالك من يعتمد في ذهابه وإيابه على سائق قد لا يتوفر في كل وقت كما هو ديدن العمالة المعتاد منها الهروب وتمويت نصف عائلته ليحصل على خروج نهائي، وأيضا الاحتياج لمرافق يكتب له المحاضرات وكيف يكون وضعه مع أسرته الذين تكفل هو شخصيا بإيصالهم وإرجاعهم، كل ذلك كان يدور في ذهني”.
وزاد “وأنا ذاهب معه للبحث عن قبول بالجامعة التقينا الوزير وحصلنا على موافقة معاليه ثم ضاعت الأوراق بعد وصولها للجامعة وأخيراً بعد لأي ولقاءات مع وكيل الجامعة تم القبول النهائي”.
واسترسل “عندما بدأ عبدالله الدراسة فعلياً في جامعة الإمام اجتمعت كل المعوقات السابقة في طريقه فكان يقفز تلك الحواجز بهمه وطموح لا حدود لهما بل كان طوال فصول الدراسة عند ما تنقص درجته عن الدرجة النهائية تنتابه حالة من الضيق الشديد مرت أيام الدراسة في مرحلة البكالوريوس سريعاً وفي يوم الأحد ٢٦ شعبان ١٤٣٨للهجرة أرسل لي عبدالله آخر الإجابات قائلا: أبي لا حدود للطموح ولازال هدفي المشروع الذي حددته لنفسي لم أحقق منه إلا أولى خطواته بالحصول على شهادة البكالوريوس وكأنه يجيبني على تساؤلاتي بطريقه اختارها”.
ووصف عبدالله رحلة البكالوريوس والحصول على الشهادة وتحقيق التفوق بأنها التعب اللذيذ، فالرحلة بدأت حين كان عليه تحسس طريقه نحو القاعات والتي تجاوزها بفعل التعود على المكان بمساعدة العصا البيضاء، مروراً بتعليقات الطلاب التي وصلت حد الغيرة من تفوقه مروراً بالعبارات القاسية التي كان يسمعها من البعض حين لا يتردد البعض عن تقريعه بالعميان.
وهنا يتوقف عبدالله ليؤكد أنه كان يتفهمها كون فارق السن بينه وبين زملائه يصل إلى ٥ سنوات، مضيفًا “فوق هذا كان تفوقي وأنا كفيف مزعجا للبعض منهم وثناء الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس كان كفيلاً بجعلهم يتخذون مواقف غير جيدة مني فتخرج منهم بعض التعليقات الساخرة والتي كان علي أن أتجاوزها وأن أقترب منهم أكثر لم أكن أنتظر منهم غير ذلك؛ لكني آمنت أن عليّ قلب الطاولة بأن أقترب منهم وأتودد إليهم والعمل على احتواء ما يظهرون من نزق وطيش تجاهي ونجحت إلى حدٍ بعيد في جعلهم يتقبلون الكفيف صديقاً لهم بل ومرجعاً في بعض الأحيان وفشلت في مرات قليلة جداً مع البعض”.
وحول مقولة “وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة”، أضاف “لا أدعي أني عظيم؛ لكن زوجتي العزيزة أم محمد لم تكن خلفي بل كانت إلى جانبي؛ لذا يحق لي القول إنه بجانب كل نجاح حققته كانت تقف امرأة عظيمة تدعى أم محمد والتي كانت خير عون لي بعد عون الله وبركة دعاء والداي، حيث كان عليها أن تقرأ علي الكتب والمقررات التي لا أستطيع قراءتها؛ وطوال أربع سنوات كانت بشكل يومي تقرأ ٣- ٤ ساعات متتالية لمختلف المواد دون كلل أو شعور بالتذمر ولن أنسى ما حييت هذا الجهد النبيل الذي خصتني به هذا الإنسانة الرائعة التي حباني الله بها وأحمد الله عز وجل أن توج جهودنا بحصولي على الأول على كل المبصرين في الجامعة فتخرجت بتقدير ممتاز وتم تكريمي من سمو أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر فكان هذا الحدث تتويجاً لي بفضل الله ومنته وهديتي لوالداي الحبيبين ولزوجتي وإخوتي النبلاء وأخواتي الفضلاوات هي تحقيق النجاح تلو النجاح والتفوق وصولاً إلى الدكتوراة”.
نظرات الشفقة
ويرفض عبدالله نظرات الشفقة التي يجدها ممن حوله، مؤكداً أن ما يحتاجونه ليس الشفقة بل مزيد من الثقة مؤكداً أنه ورفاقه يتسلحون بالإيمان وشعارهم نحن نستطيع وأنه لا يوجد معاق بقدر ما يوجد مجتمعات معيقة.
وشدّد عبدالله على أن وجود جمعيات تعُنى بالمكفوف ساهم في خلق مناخات جيدة لهذه الشريحة وتوفير أماكن قادرة على استيعابهم كمساعدتهم على إيجاد تجمعات تضم المكفوفين، لافتا إلى أن ما تقدمه من عمل مثري من خلال ما تتيحه من فرص لتطوير قدرات المكفوفين وما تسهم فيه من نشر الثقافة والتوعية من خلال ورش العمل واللقاءات والبرامج التدريبية ما يعزز من أهمية هذه الجمعيات ويُعلي من شأن دورها”.
ويصر آل دقاس على أن يكون متابعاً للأحداث وأن لا ينفصل عن العالم، فهو يهتم بالأحداث الجارية ونبض الواقع من خلال استخدام تطبيق الهاتف (ناطق) لمتابعة بعض المشاهير ونجوم السوشال ميديا والصحف اليومية مثل سبق والعرب وما شابهها من المواقع الحية الأمر الذي انعكس على شخصيته الحوارية حيث يندر أن يجري حديث دون أن تكون لعبدالله مداخلاته الواعية والمنطقية والتي تجمع بين الطرح النوعي والأناقة المتوجه بأدبه الجم.
ولهذه الشريحة على ما يبدو معاناة خاصة عند الرغبة في الحصول على بعض الخدمات مثل فتح حسابات بنكية حيث تشترط البنوك إحضار معرف مبصر لفتح حساب وعند الحاجة لأبسط الخدمات البنكية لاحقاً حتى لو كان تغيير بطاقة صراف يشترط إحضار المعرف، وقد يكون المعرف مسافراً أو مشغولاً أو حتى مريضا لكن شرط حضوره لا نقاش فيه مما يعطل الكفيف عن بعض حاجياته رغم أن نظام البصمة كفيل بحل مشكلة المكفوف نهائياً.
وأبرز أن جميع الخدمات الأخرى في غالب الإدارات الحكومية لا تراعي خصوصية المعاق، فلا استثناءات ولا إعفاءات غير تلك التي من الممكن أن يحظى بها غير الكفيف.
واشتكى عبدالله والمكفوفون وبقية أصحاب الإعاقات من أن مكافأة بدل الإعاقة تصرف لطفل صغير لا يتجاوز عمره خمس أو عشر سنوات يعيش في كنف أسرته تتساوى مع كفيف آخر متزوج ولديه أبناء ويعول أسرة دون النظر للفوارق بين الشريحتين.
أما المشكلة الأخرى فتتعلق بصدور قرار يقضي بإيقاف الإعانة عن ذوي الاحتياجات الخاصة ممن تزيد رواتبهم عن أربعة آلاف ريال، مبيّنا أن متطلبات المعاق من أجهزة متنوعة هي ضرورة قصوى للمعاق كأجهزة برايل أو العربات المتحركة للمعاقين حركياً وما شابهها يجعل هذا القرار مجحفاً ويتجاهل احتياجات هذه الشريحة تماماً، وما يتمناه ذوو الاحتياجات الخاصة أن تُعيد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية النظر في مثل هذه القرارات وأن تعمل على تلمس احتياجات هذه الشريحة ومتطلباتهم.
ومضة: لمثل عبدالله آل دقاس نهتف: ما أنت بأعمى، إنما نحن جوقة العميان، ولوالده ولكافة آباء هذه الشريحة من المتفوقين والبارزين الذين قدموا أنفسهم كنماذج في تحدي مصاعب الحياة نردد:
نعم الإله على العباد كثيرة
وأجلهن نجابة الأبناء
خاتمة القول:
هذا الشاب وأمثاله
لهم علينا حق تصدير نموذجهم
عبر كل الفضاءات التي نستطيع الدفع بهم عبرها
وأنه لا يوجد معاق بقدر ما يوجد مجتمعات معيقة.)
حقيقه جسدها مقالك الجميل استاذ ناصر
تحياتي لك ولكل نفس شامخة رغم كل الصعوبات مستمرة لتحقيق طموحاتها بااصرار وعزيمة .
شكرا ملء السمع والبصر لك يابو أيمن .
ستكون صفحه مشرقه ومضيئه في حياة الابن
عبدالله.
سنحفظ تلك الصفحه في
حنايا الضلوع …
شكرا ملء السمع والبصر لك يابو أيمن .
ستكون صفحه مشرقه ومضيئه في حياة الابن
عبدالله.