أمريكا تقود حلف الناتو مشاركته من جديد في الحرب الأزلية في أفغانستان التي تحولت إلى حرب منسية، فقد أسقطت أمريكا طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 واجتثت جذور القاعدة وأقرت حكومة تمثيلية كحكومة العراق الطائفية بعد غزو العراق، وسبق أن تحدث بوش عن خطة مارشال لبناء أفغانستان لكن سرعان ما تلاشت الفكرة.
في عهد أوباما دفع ب60 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان في عام 2009، لكن فقد أوباما ثقته بحكومة كرزاي الفاسدة مثلها مثل بقية الحكومات الشيعية التابعة لتيارات الإسلام السياسي في العراق الفاسدة، ما يعني أن أمريكا فشلت في البلدين، مما اضطر أوباما إلى سحب قواته من أفغانستان بسبب ارتفاع التكاليف الباهظة في عام 2015، تبقى في أفغانستان أقل من 10 آلاف جندي، وعندما أتى ترمب لم ينظر إلى أفغانستان وأبدى ميله نحو الانسحاب الذي بدأه أوباما، لكن أقنع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ترمب بتأخير انسحاب القوات الأمريكية إلى القضاء على المكاسب التي حققتها طالبان.
تحولت الحرب الأمريكية في أفغانستان إلى حالة من التوازن الاستراتيجي والسياسي أي عدم هزيمة القوات الأمريكية على الأرض، لكن الآن ظهرت داعش التي تريد تحويل أفغانستان مرة أخرى إلى ملعب لها، لكن هناك سؤال لماذا رفضت أميركا في ظل قيادة ثلاثة رؤساء سحق طالبان عسكريا أو بناء حكومة أفغانية مستقرة قادرة على الاستمرار؟.
ترى أمريكا أن هناك سيناريوهات أكثر خطورة من أفغانستان وهي أمام حرب أمام روسيا في البلطيق، أو مواجهة محتملة مع كوريا الشمالية، لكن بعد انعقاد قمة في سنغافورة بين ترمب وزعيم كوريا الشمالية، وبعد قمة هلسنكي بين ترمب وبوتن، فأصبح على أمريكا إنهاء أزمة أفغانستان.
لذلك هناك مساران فالولايات المتحدة تقوم بعقد محادثات سلام مباشرة مع حركة طالبان في دولة قطر حيث مقر مكتب حركة طالبان، وفي جدة استقبل الملك سلمان وفد من العلماء المسلمين المشاركين في المؤتمر الدولي حول السلام والاستقرار في جمهورية أفغانستان، ورعت هذا المؤتمر منظمة التعاون الإسلامي وأشاد الملك سلمان بجهود العلماء التي ستسهم في طي صفحة الماضي وتفتح صفحة جديدة في أفغانستان وتحقق للشعب الأفغاني ما يتطلع إليه من أمن واستقرار.
هناك عدد من المتغيرات في جنوب غربي آسيا العقوبات على إيران ونجاح عمران خان زعيم حزب حركة أنصاف في انتخابات الباكستان الذي يريد توطيد العلاقة مع الهند وحل مشكلة كشمير ومفاوضة طالبان وعلاقات موسعة مع الصين خصوصا وأن طريق الصين الباكستان يمر عبر كشمير إلى ميناء جوادر على خليج عمان، وكان ميناء جوادر معطلا، وكانت تسيطر عليه سلطنة عمان عام 1779 إلى أن أصبح تحت سيطرة الباكستان عام 1958 وهو أقرب إلى الصين من الصين نفسها.
استأجرت الصين هذا الميناء 40 عاما، واستثمرت فيه 4.5 مليار دولار وهو جزء من حزام واحد وطريق واحد، الذي قررت الصين هذا الطريق في عام 2013، وهناك 6 طرق برية وعدد من الطرق البحرية تمر ب68 دولة وباستثمارات تبلغ 150 مليار دولار، ويمر الطريق البحري عبر ميناء جوادر الباكستاني الذي تحول من حلم إلى حقيقة عام 2016، وهو تخشاه الهند وإيران، وهو ما جعل إيران تحاول ضرب هذا الميناء، فأعطت ميناء تشبهار إلى الهند لتستثمره والذي يبعد عن ميناء جوادر منافسه ب165 كيلو مترا، أي أن هناك صراعا إقليميا بامتياز.
الجيش الباكستاني لا يريد أن يتكرر ما حدث في تركيا، لذلك أزاح نواز شريف الذي أراد أن يقلد أردوغان في تركيا ويتخلص من سطوة الجيش وأجهزة الاستخبارات الباكستانية ليستفرد وحده المدني بباكستان، بسبب أن موقع الباكستان الجغرافي يختلف عن الموقع الجغرافي لتركيا.
فالباكستان بين الهند عدوها التاريخي وبين إيران التي تتدخل في الداخل الباكستاني وحاولت في الفترة الماضية منذ الثورة الخمينية بناء أذرع لها وغذت التطرف بإنشاء مئات المعاهد الدينية والمراكز الثقافية مسنودة بشبكة إعلامية، وأفغانستان التي تريد الهند السيطرة عليها والتواجد في قلب أسيا الوسطى.
فوز عمران خان من حزب حركة الإنصاف وهو ليس جزءا من أي سلالة رئيسية في الباكستان والذي يود العلاقة المتبادلة مع الولايات المتحدة ثم إنه يطرح السلام مع طالبان باكستان، وتعهد بتحويل باكستان إلى دولة رفاهية إسلامية، وإقامة علاقة أوثق مع الهند، وإيجاد حل لمشكلة كشمير، وتعهد بخلق 10 ملايين وظيفة في غضون خمس سنوات المقبلة، رغم أنه رقم كبير جدا وغير قابل للتصديق، كتعهده بالقضاء على الفساد المستشري في الباكستان، وإن كان هو مهوس بالقضاء على الفساد، ولكن لا توجد لديه خطه واضحة.
لكن تظل باكستان العسكر الذين ساعدوا نواز شريف بالوصول ثم انقلبوا عليه، وبالنسبة للسعودية فلدى عمران خان بعد انتخابه تصريح بأن السعودية وقفت مع الباكستان في السراء والضراء، رغم أن إيران تحاول التقرب من عمران خان خصوصا وأنه أحد المعارضين لمشاركة الباكستان في عاصفة الحزم بقيادة السعودية.
يروي مدير مكافحة التجسس الباكستاني الأسبق العميد سيد ترمذي وهو شيعي المذهب في كتاب مذكراته كيف حاول أنصار الخميني الذين شكلوا ما يعرف باسم حركة تطبيق الفقه الجعفري محاصرة الوزارات في إسلام أباد أواخر السبعينات والانقلاب على الدولة بدعم وتمويل من الخميني والقذافي، لكن الاستخبارات الباكستانية أجهضت محاولتهم وفرقتهم دون إراقة دماء.
كانت تريد طهران الحديث عن مظلومية الشيعة في الباكستان الذين يقدرون بنحو 30 مليون من أصل 200 مليون عن وجوب أخذ الحكم بالقوة في الباكستان بعد إنشاء تنظيما باسم حركة تطبيق الفقه الجعفري التي ترأسها حسين الحسيني وهو من بلدة باراتشنار الباكستانية المحاذية لجبال تورا بورا في افغانستان، وكان من أشد الناس تعصبا للخميني ودرس في قم، وبدء عمليات اغتيال رموز أهل السنة الذي واكب المجاهدين الأفغان فترة الاحتلال السوفياتي لبلادهم وأسسوا ما أسموه عسكر محمد وأسس السنة ردا على الشيعة عسكر الصحابة.
بحسب مصادر أمنية في إسلام أباد أرسل حزب الله بعد حرب 2006 مجموعة من عناصره لتدريب العناصر الشيعية في باكستان، واختيرت منطقة باراتشنار القبلية المحاذية لأفغانستان كمركز تدريب لهذه العناصر، ثم يتم نقلهم إلى إيران والعراق بحجة زيارة الأماكن المقدسة لدى الشيعة، لكن الهدف الأساسي كان مشاركة هؤلاء المقاتلين الشيعة إلى جانب التنظيمات الشيعية العراقية في القتال ضد أهل السنة في العراق، وانضموا إلى عصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس العباءة التي انضوى تحتها المقاتلون الباكستانيون.
وهو ما فتح باب الاستهداف بين لشكر جنكوي استهداف حافلات قادمة من إيران في إقليم بلوشستان الباكستاني في منطقة موستانغ جنوب غربي كويتا مما قاد بعض الشيعة إلى استهداف مدرسة دينية في مدينة راولبندي يوم عاشوراء عام 2013 وقاموا بمجزرة ضد طلاب المدرسة وهي مجزرة كادت توقع الباكستان في حرب أهلية.
بعد الثورة السورية تمكن الحرس الثوري الإيراني من تجنيد آلاف الشبان الباكستانيين الشيعة يعرف باسم لواء زينبيون، ومن يحاول الرجوع إلى الباكستان يتم اغتياله وإلصاق التهم بتنظيمات سنية لتحريض الفتنة بين الشيعة والسنة.
وعلى مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما تمكنت إيران في باكستان من إقامة ثلاثمائة معهد ديني شيعي في مختلف المدن الباكستانية بحسب ما وثقته قناة وصال، وفي كل معهد ما يزيد على سبعمائة طالب يتم فيه تدريس بدايات المذهب الشيعي والعداء للسنة ليتم بعدها نقلهم للجامعات في قم ومشهد وأصفهان وغيرها من المدن الإيرانية ليتم تدرسيهم هناك وإعادة صياغة عقولهم بما يتلاءم مع المشروع الفارسي.
قدم الباحث الباكستاني سهيل خان عدة بحوث عن النشاط الإيراني في باكستان، وذكر أن ما بين عامي 2002 – 2013 أنشأت إيران 54 جامعة طائفية مذهبية في باكستان تعمل على استقطاب الطلبة الشيعة حتى وصل الطلبة في تلك الجامعات أكثر من 35 ألف طالب يمنح أكثر الخريجين الجنسية الإيرانية لخدمة المشروع الفارسي، وكان الغالبية منهم يتوجهون إلى الجامعة المستنصرية وجامعة بغداد وجامعة دمشق في ظل حكم المالكي وبشار في العراق وسوريا ويصبحوا في مجالس إدارة الكليات من أجل أن يتحكموا فيمن تحتهم من أهل السنة وهو ما حذر منه مجموعة من المحاضرين السنة في تلك الجامعات.
عانت الباكستان من تصعيد هندي أفغاني مشترك على حدود باكستان من جانبين في كشمير شرقا وأفغانستان غربا ودخول إيران طرفا بالتزامن مع هذا التصعيد، وسبق أن قبضت باكستان على خلية إرهابية هندية تعمل داخل إيران بموافقة الاستخبارات الإيرانية وتقوم بأعمال إرهابية ضد أهداف حيوية في باكستان.
كان عام 2017 في مايو استدعاء باكستان السفير الإيراني في سابقة دبلوماسية بين البلدين نددت بتصريحات رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري الذي هدد بقصف الأراضي الباكستانية عقب مقتل عشرة من حراس حدود إيرانيين على أيدي مقاتلي جيش العدل المنظمة التي تتهم طهران الباكستانيين بدعمها، رغم ذلك تمسكت الباكستان بمسك العصا من الوسط.
هذا التصعيد الثلاثي أتى بعد عقد قمة ثلاثية بين روحاني ورئيس الوزراء الهندي ناريندر مودي والرئيس الأفغاني أشرف غني في ميناء جابهار الإيراني في 23 أيار 2016 لتوقيع تشغيل الميناء الإيراني وتعمدت إيران عدم دعوة الباكستان إلى لقاء القمة الذي زعم أن هدفه الربط الإقليمي بين دول المنطقة، واتضح وقتها أن طهران قررت التعاون مع الهند لإفشال مشروع الربط الإقليمي الباكستاني الصيني الضخم في ميناء جوادر في بلوشستان.
موقف إيران هذا أتى بعدما كان الشاه يمد الباكستان بالنفط أثناء حربي 1965 و 1971 ضد الهند رغم ذلك كانت الباكستان أول دولة تعترف بحكومة الخميني، وتبنت الحياد أثناء الحرب الإيرانية العراقية، لكن يبدو أن نظام آيات الله لم يغفر لباكستان علاقتها الوثيقة مع الشاه، لكن كانت الباكستان مع دول الخليج من أوائل الدول التي استهدفها الحرس الثوري لنشر الفتن والحرب تحت مسمى تصدير الثورة، لذلك ستحتاج الباكستان للدور السعودي مهما حاولت إيران التقرب من الباكستان، خصوصا وأن جميع التنظيمات الإسلامية في أفغانستان والباكستان تدين بالولاء لبلد الحرمين الشريفين صاحبة السياسة الحكيمة والدبلوماسية الهادئة.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة