الوثيقة التاسعة:
وثيقة رقم(2/1ـ21).
العنوان: الإفادة عن وصول المدد من المدينة إلى الرس. والإفادة عن صعوبة الاستيلاء على قلعة الرس.
الترجمة (وصل أمركم المرسل مع مصطفى آغا جليك (الفولاذ)
في 20 ذي القعدة٬ كما وصل ما أرسل معه من معدات ومهمات حربية و12 ألف قنبلة مدفع حيث وقعت في “شؤنة” المدينة المنورة. ونحن الآن نستجلب منها ما يكفينا. وتفضلتم في الأمر بإبلاغي شأن أجور الجمال والمصاريف الأخرى.. وأرسلتم 100 ألف فرانسة من أجل رواتب وعلوفة الخيّالة والمشاة. وأنكم أعددتم محمد علي آغا وأحمد آغا أبو شنب من الضباط على رأس 400 من المشاة لكل منهما ومعهما بعض المعدات والمهمات. فكان هذا مدعاة لسروري الباطني.
غير أن قلعة الرس التي نحن فوقها.. بعد أن سرنا إليها قبل أن يصل مصطفى آغا جليك كان محمد أفندي الذي جاء بمدافع الأوبوس وما كان منها موجودًا لدينا. فاعتمدنا عليها في هدم بعض الأبراج والجدر من حيث تهيأ لنا مجال التقدم. فألحّ العسكر وقالوا: نسير إليها وندخلها فنظرت إلى رغبتهم هذه ورخّصت لهم بذلك. وقبل انبلاج الصبح بنصف ساعة انطلق النداء: الله. الله ومشوا وتمكن 15/20 من الجند أن ولجوا إلى الداخل فتجمع كل الخارجين الموجودين في القلعة عند هذا المكان وقتلوا بالرصاص أولئك الذين وصلوا إلى الخندق ونفذوا إلى القلعة. ولما أدركت أن هذا سوف لا يدع مجالًا للجرأة على إقدام سواهم٬ أسرعت بإرسال الأغوات الذين كانوا حولي فاستطاع فريق آخر أن يدخل ولكن اثنان من الخارجين وكثرة الملاعين قد جابه الداخلين برصاص كثيف فاضطر الجند للنكوص٬ وفي هذه المرة سقط منهم 500 شهيد وجريح. العمر الطويل للسلطان ولكم.
لم يبدوا من العسكر أي تقصير ولكن كما ذكرت قبلًا فإن هذه القلعة ذات أسوار ثخينة ومتينة تكونت من رمل وتراب مغلي. ولذلك فإن القنابل العادية لم تؤثر فيها وكنا في حاجة إلى مدافع أوبوس وقنابل أوبوس وكان موجودنا منها غير كافٍ لفتح الثغرات٬ ولما فتحنا ثغرة واحدة وأقدمنا كان ذلك سببًا في سقوط الكثير من العسكر تلفًا. ولما كان انطلاق المدافع مستمر ليلًا ونهارًا فقد نفدت القنابل وما سواها من معدات حربية وحيث إن مستودع المعدات في ينبع البحر قد احترق فقد كنا في بعض الأيام بحاجة ماسّة إلى هذه المعدات وباضطرار إليها ولكن الآن فإن وأردنا قد وصل ولم تعد هناك حاجة. وإن شاء الله “بمدد روحانية سيد الكون” سوف يتيسر فتح القلعة قريبا، ولكن ما يليها من قلاع أخرى يعوزنا فيها 4 آلاف قنبلة مع مدفع أوبوس “يرمي قنابل 7 أواق” و 500 من المشاة المغاربة وضابط خيّال مناسب. أرجو وأتمنى إعدادهم وإرسالهم. لأنه من المعلوم لدى دولتكم إذا لم تكن الخيّالة لا يكون للجيش ظهير ولا يتأمن وصول هذا القدر من الذخائر واللوازم والمهمات من المدينة المنورة إلى هنا.
المترجم والملخّص: محمد صبحي فرزات.
# نستخلص من الوثيقة ما يلي:
ـ إبراهيم باشا يخبر والده بوصول المدد المطلوب لحصار بلدة الرس والتصدي لأهلها في اليوم العشرين من ذي القعدة عام 1232هـ. وتشمل معدات ومهمات حربية و12 ألف قنبلة مدفع وأودعت في مستودع المدينة المنورة. وأنه يجلب منها ما يكفيه. كما وصله مائة ألف فرانسة لرواتب ومعيشة الخيّالة والمشاة. كذلك ثمانمائة جندي مع الضباط. كل هذا يعدّه إبراهيم باشا لحصار بلدة الرس لأجل أن يستولي علبها.
ـ كما يفيد والده بأن قلعة الرس التي يحاصرها حاليًا يعتمد على مدفع أوبوس في هدم جزء من السور والأبراج إذا تهيأ له التقدم في ذلك.
ـ ثم يخبر إبراهيم باشا والده عن الهجوم الأول على بلدة الرس فيقول: إن العسكر ألحّوا عليه بأن يسيروا إلى البلدة ويدخلوها عنوة. وعند انبلاج الصبح بنصف ساعة انطلق العسكر وهم يكبرون, ثم تمكن مجموعة من الجند بعدد 10/20 من الدخول مع الخندق فتجمع عليهم أهل الرس عند مكان دخولهم وأمطروهم بوابل من رصاص البنادق وأبادوهم جميعًا. وأدرك إبراهيم باشا بأن تلك النتيجة لا تدع مجالا في الإقدام لهجوم آخر.
ـ أما الهجوم الثاني.. فقد أمر إبراهيم باشا مجموعة من الأغوات من الحرس الخاص به بالدخول إلى البلدة ولما تمكّن فريق منهم من الدخول تصدى لهم اثنان فقط من أهل الرس وجابهوهم برصاص كثيف واضطروهم للرجوع. ولما تنبه أهل الرس لبقية المهاجمين تجمعوا لصد الغزاة. ويقول الباشا بأنه قُتل وجُرح من جنده في الهجوم الثاني 500 جندي.
كما ذُكر في وثيقة أخرى بان إبراهيم باشا عندما أمر الأغوات بالهجوم الثاني أمر بقية الجنود في الخارج بأن يرموا بالرصاص كل جندي يتراجع بعد بدء الهجوم. وبهذا وقع الجنود المساكين بين فكي كمّاشة: رجال الرس الشجعان من الداخل يصطادون كل جندي يحاول الدخول. وجنود الباشا من الخارج يرمون كل من يحاول الرجوع.
ـ يوضح إبراهيم باشا في وثيقة خطابه لوالده بأن عسكره يبذلون كل جهد وكل قوة في حرب بلدة الرس, ويستعملون كل أنواع القنابل والقذائف لهدم السور المتقن. ولكنهم عجزوا عن ذلك وأعجزتهم كل الحيل.
ـ يصف إبراهيم باشا الرس الذي يسميه (القلعة) بـأنها ذات أسوار ثخينة ومتينة٬ وأنها تتكون من رمل وتراب مغلي. وأن القنابل التي يرمونها من المدافع على سور الرس لم تؤثر فيه. وأقول: كما ذكرت سابقًا بأن سور الرس مكوّن من ثلاثة أسوار الأول من الخارج ويبلغ عرضه حوالي (40 سم) وارتفاعه حوالي (4 متر) وبني من عروق الطين المخلوط بالتبن والمغمور بالماء لمدة أربعين يوما وتسمى تلك الطريقة (التخمير) والثاني من الداخل وبني بنفس الطريقة ويقل ارتفاعه عن السور الخارجي بحيث يدور عليه الرقيبة ولا يراه أحد وبينهما حوالي (40 سم) مملوء بالرمل الناعم. بحيث عندما تنفذ القنبلة من السور الخارجي فهي تستقر في الرمل ولا تنفذ إلى السور الداخلي.
ـ وقال إبراهيم باشا (ولذلك فإن القنابل العادية لم تؤثر فيها) أي لم تؤثر في السور، وهذا اعتراف من الباشا بأنه عجز عن هدم سور البلدة على كثرة ما معه من القنابل والقذائف القوية الحارقة. ويقول المثل (الحق ما شهدت به الأعداء).
ـ ثم يطلب إبراهيم باشا من والده أن يمده بمدافع كبيرة من نوع (أوبوس) وقنابل تستعمل لها، ويشكو بأن ما لديه من القنابل لا يكفي لفتح ثغرة في السور فكيف يتمكن من هدمه.
ـ كذلك فإن الباشا يشكو من سقوط القتلى الكثيرون من جنوده أمام قلعة الرس المنيعة وأهل الرس الأبطال.
ـ كما يفيد إبراهيم باشا والده بأن منذ بداية حصار بلدة الرس وإطلاق النار مستمر عليها من المدافع ليلا ونهارا. لذا فقد نفدت القنابل والقذائف وغيرها من المعدات الحربية التي كانت معه، لذا فهو يستنجد والده بأن يمده بالمعدات الحربية. ثم قال: وإن شاء الله بمدد روحانية سيد الكون سوف يتيسر فتح القلعة قريبا. ولكن لله الحمد فكل مساعيه لفتحها باءت بالفشل.
ـ ثم يكرر الطلب بأنه يحتاج: 4 آلاف قنبلة مع مدفع أوبوس يرمي قنابل 7 أواق و 500 من المشاة المغاربة وضابط خيّال مناسب. من أجل تأمين ظهر للجيش من الخيّالة.
ـ ثم يخبر إبراهيم باشا والده مؤملا أن يفتح بلدة الرس قريبًا بفضل دعاء وبركات السلطان ودعاء والده وأن يكون الفتح قريبًا.
ـ وأخيرًا يؤمل إبراهيم باشا قائلًا (إن شاء الله عندما تنتهي الحرب فوق هذه القلعة سنعطي علوفات الخيّالة والمشاة) وأقول: ولكن الله خذل مساعيه وهزمه أمام قلعة الرس ونصر أهل البلدة بتوفيق منه وبقوة صبرهم وشجاعتهم وجهادهم.