أسامة زيتوني

التوطين وقرارات العمل !!

تظل قضية السعودة وتوطين الوظائف من القضايا الأهم والأبرز في مجتمعنا ، لما لها من ابعاد اقتصادية واجتماعية كبيرة.. إذ ترتفع حدة المطالبات للقطاعات الحكومة والقطاعات الخاصة على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب خاصة رجال الاعمال الذين تشكل اعمالهم في القطاع الخاص نسبة كبيرة من جملة الاعمال على مستوى المملكة.

وعلى الرغم من محاولات وجهود الجهات المعنية في هذا الشأن ، إلا أن معدلات تواجد العمالة الوافدة لا تزال مرتفعة ، ولاتزال نسب بطالة السعوديين تتزايد بسبب إخفاق برامج التوطين في توفير الفرص المناسبة وإيجاد كوادر وطنية مؤهلة وقادرة على الإيفاء بحاجة سوق العمل والاحلال التدريجي محل تلك العمالة الوافدة .

وقد أظهرت نتائج مسح القوى العاملة الصادرة عن هيئة الإحصاء، ارتفاع نسبة بطالة السعوديين خلال الربع الأول من 2018 مقارنة بنهاية الربع الرابع من 2017، وربما يعود السبب إلى إخفاق وزارة العمل في بعض القرارات التي ركزت في معظمها على الوظائف الدنيا والتي لا تشكل جذبا للمواطنين ، ولم توجه بشكل جيد ولم تسعى الى توطين الوظائف المتوسطة والعليا ، كما شجعت التأشيرات الأجنبية مقابل توظيف السعوديين، مما أسهم في دفع الشباب والشابات إلى الوظائف الدنيا غير المستقرة وغير المرغوب فيها ، اضافة الى بعض القرارات والإجراءات التقشفية التي أثرت سلباً على الاقتصاد، وتسببت في تضرر الشركات ما دفعها لتسريح نسبة كبيرة من موظفيها السعوديين لخفض مصروفاتها.

وفي اعتقادي بأن المشكلة ليست وليدة اللحظة وانما تولدت عبر سنوات طويلة منذ الستينات أو السبعينات الميلادية من القرن الماضي تقريباً ، حيث كانت حتى ذلك الوقت جميع المهن يشغلها مواطنون من آبائنا وأجدادنا الذين كان معظمهم أصحاب مهن وحرف يدوية .

إلا أنه ومع بداية الطفرة الاقتصادية والخطط التنموية في ذلك الوقت ، شهدت المملكة نموا كبيرا في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية بسبب الطفرة البترولية الهائلة التي مرت بها المنطقة في تلك الفترة ، وكانت تنمية الموارد البشرية أحد تلك الأنشطة التي شهدت انتعاشاً كبيراً ، وأتيحت الفرص بشكل موسع للمواطنين في التعليم والتدريب والتوظيف وعلى نحو لم يُشهد له مثيل, مع توافر الامكانيات المادية بكميات وفيرة في المملكة ، وارتفاع الأجور وتعدد الفرص في القطاعات الحكومية مقارنة بالقطاع الخاص ، مما سبب تهافت أبناء المواطنين على الوظائف الحكومية ، والعزوف عن المهن والحرف الصغيرة والمتوسطة رغم الحاجة لها ، فكان الخيار الوحيد هو تواجد العمالة الوافدة لسد احتياجات تلك المهن في القطاع الخاص الذي لم تكن بيئته مشجعة للمواطنين في ذلك الوقت ، حتى فرضت تلك العمالة سيطرتها على وظائف القطاع الخاص خلال عقود من الزمن .

ولكي تعود الأمور الى نصابها فأعتقد بأن الأمر يحتاج الى تدرج في اتخاذ القرارات ولا يمكن أن يتم دفعة واحدة ، فهناك العديد من الوظائف والمهن والأنشطة التي لا يمكن توطينها حالياً ، إضافة الى أن النظرة الاجتماعية لدى الغالبية العظمى من شبابنا والتي تشكلت عبر عقود من الزمن ، فأصبحوا يفضلون الاعمال الكتابية والادارية بالقطاع العام لما في ذلك من سلطة وتقدير اجتماعي، كما أن بعض الاجراءات والقرارات والانظمة الجديدة كان لها تأثيراً مباشرا على سوق العمل ، فقد ارتفعت نسبة خروج العمالة الوافدة من السوق بسبب ارتفاع الرسوم المقررة عليهم ، في الوقت الذي يواجه فيه هذا القطاع عزوف كبير من الشباب السعودي بسبب ضعف المميزات وانخفاض الأجور ، مما قد يتسبب في إحداث فجوة كبيرة في السوق ، ونقص حاد في توفير المهن الاساسية ، ويشكل عبئاً وتحدياً كبيرا على وزارة العمل في ضرورة إيجاد حلول عاجلة ، واعادة النظر في رسوم الوافدين ، واستثناء بعض المهن من عملية التوطين على الأقل خلال الفترة الحالية .

إن التوطين مطلب ملح ، ولكن لا يمكن أن يتم دفعة واحدة ، فهناك العديد من المهن التي لا يمكن توطينها بشكل مباشر ، كالمهن والحرف والصناعات اليدوية التي لا يوجد حاليا من أبناء الوطن من يجيدونها ، فالأمر يحتاج إلى روية وصبر ومرونة ، والتريث حتى نستطيع ايجاد البديل للعامل الوافد ، ومن الأجدر البدء بتوطين الوظائف العليا وما دونها ، ومن ثم التدرج من خلال دراسات واستقصاءات ميدانية وانشاء معاهد للتدريب أو فتح تخصصات جديدة في المعاهد المهنية حتى نستطيع صناعة جيل مهيأ وقادر على أداء هذه المهن بكفاءة واقتدار .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button